روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَٱلَّذِي نَزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءَۢ بِقَدَرٖ فَأَنشَرۡنَا بِهِۦ بَلۡدَةٗ مَّيۡتٗاۚ كَذَٰلِكَ تُخۡرَجُونَ} (11)

{ والذي نَزَّلَ مِنَ السماء مَاء بِقَدَرٍ } أي بمقدار تقتضيه المشيئة المبنية على الحكم والمصالح ولا يعلم مقدار ما ينزل من ذلك في كل سنة على التحقيق إلا الله عز وجل ، والآلة التي صنعها الفلاسفة في هذه الأعصار المسماة بالاودوميتر يزعمون أنه يعرف بها مقدار المطر النازل في كل بلد من البلاد في جميع السنة لا تفيد تحقيقاً في البقعة الواحدة الصغيرة فضلاً عن غيرها كما لا يخفى على المنصف . وفي «البحر » بقدر أي بقضاء وحتم في الأزل ، والأول أولى { فَأَنشَرْنَا بِهِ } أي أحيينا بذلك الماء { بَلْدَةً مَّيْتاً } خالية عن النماء والنبات بالكلية .

وقرأ أبو جعفر . وعيسى { مَيْتًا } بالتشديد ، وتذكيره لأن البلدة في معنى البلد والمكان ، قال الجلبي : لا يبعد والله تعالى أعلم أن يكون تأنيث البلد وتذكير { مَيْتًا } إشارة إلى بلوغ ضعف حاله الغاية ، وفي الكلام استعارة مكنية أو تصريحية .

والالتفات في { أنشرنا } إلى نون العظمة لإظهار كمال العناية بأمر الإحياء والإشعار بعظم خطره { قَالَ كذلك } أي مثل ذلك الإنشار الذي هو في الحقيقة إخراج النبات من الأرض وهو صفة مصدر محذوف أي إنشاراً كذلك { تُخْرَجُونَ } أي تبعثون من قبوركم أحياء ، وفي التعبير عن إخراج النبات بالإنشار الذي هو إحياء الموتى وعن إحيائهم بالإخراج تفخيم لشأن الإنبات وتهوين لأمر البعث ، وفي ذلك من الرد على منكريه ما فيه .

وقرأ ابن وثاب . وعبد الله بن جبير . وعيسى . وابن عامر . والأخوان { تُخْرَجُونَ } مبنياً للفاعل .