مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَٱلَّذِي نَزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءَۢ بِقَدَرٖ فَأَنشَرۡنَا بِهِۦ بَلۡدَةٗ مَّيۡتٗاۚ كَذَٰلِكَ تُخۡرَجُونَ} (11)

الصفة السادسة : قوله تعالى : { والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا } وهاهنا مباحث ( أحدها ) أن ظاهر هذه الآية يقتضي أن الماء ينزل من السماء ، فهل الأمر كذلك أو يقال إنه ينزل من السحاب وسمي نازلا من السماء لأن كل ما سماك فهو سماء ؟ وهذا البحث قد مر ذكره بالاستقصاء ( وثانيها ) قوله { بقدر } أي إنما ينزل من السماء بقدر ما يحتاج إليه أهل تلك البقعة من غير زيادة ولا نقصان لا كما أنزل على قوم نوح بغير قدر حتى أغرقهم بل يقدر حتى يكون معاشا لكم ولأنعامكم ( وثالثها ) قوله { فأنشرنا به بلدة ميتا } أي خالية من النبات فأحييناها وهو الإنشار .

ثم قال : { كذلك تخرجون } يعني أن هذا الدليل كما يدل على قدرة الله وحكمته فكذلك يدل على قدرته على البعث والقيامة ووجه التشبيه أنه يجعلهم أحياء بعد الإماتة كهذه الأرض التي أنشرت بعد ما كانت

ميتة ، وقال بعضهم بل وجه التشبيه أن يعيدهم ويخرجهم من الأرض بماء كالمني كما تنبت الأرض بماء المطر ، وهذا الوجه ضعيف لأنه ليس في ظاهر اللفظ إلا إثبات الإعادة فقط دون هذه الزيادة .