{ يأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ إِنَّ مِنْ أزواجكم وأولادكم عَدُوّاً لَّكُمْ } أي إن بعضهم كذلك فمن الأزواج أزواجاً يعادين بعولتهن ويخاصمنهم ويجلبن عليهم ، ومن الأولاد أولاداً يعادون آباءهم ويعقونهم ويجرعونهم الغصص والأذى ، وقد شاهدنا من الأزواج من قتلت زوجها ، ومن أفسدت عقله بإطعام بعض المفسدات للعقل ، ومن كسرت قارورة عرضه ، ومن مزقت كيس ماله ومن ، ومن وكذا من الأولاد من فعل نحو ذلك { فاحذروهم } أي كونوا منهم على حذر ولا تأمنوا غوائلهم وشرهم ، والضمير للعدو فإنه يطلق على الجمع نحو قوله تعالى : { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِى } [ الشعراء : 77 ] فالمأمور به الحذر عن الكل ، أو للأزواج ، والأولاد جميعاً ، فالمأمور به إما الحذر عن البعض لأن منهم من ليس بعدو ، وإما الحذر عن مجموع الفريقين لاشتمالهم على العدو { وَأَن تَعْفُواْ } عن ذنوبهم القابلة للعفو بأن تكون متعلقة بأمور الدنيا ، أو بأمور الدين لكن مقارنة للتوبة بأن لم تعاقبوهم عليها { وَتَصْفَحُواْ } تعرضوا بترك التثريب والتعيير { وَتَغْفِرُواْ } تستروها بإخفائها وتمهيد معذرتهم فيها { فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ } قائم مقام الجواب ، والمراد يعاملكم بمثل ما عملتم ، ويتفضل عليكم فإنه عز وجل { غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ولما كان التكليف ههنا شاقاً لأن الأذى الصادر ممن أحسنت إليه أشد نكاية وأبعث على الانتقام ناسب التأكيد في قوله سبحانه : { وَأَن تَعْفُواْ } الخ ، وقال غير واحد : إن عداوتهم من حيث إنهم يحولون بينهم وبين الطاعات والأمور النافعة لهم في آخرتهم ، وقد يحملونهم على السعي في اكتساب الحرام وارتكاب الآثام لمنفعة أنفسهم كما روي عنه صلى الله عليه وسلم : «يأتي زمان على أمتي يكون فيه هلاك الرجل على يد زوجه وولده يعيرانه بالفقر فيركب مراكب السوء فيهلك » .
ومن الناس من يحمله حبهم والشفقة عليهم على أن يكونوا في عيش رغد في حياته وبعد مماته فيرتكب المحظورات لتحصيل ما يكون سبباً لذلك وإن لم يطلبوه منه فيهلك ، وسبب النزول أوفق بهذا القول .
أخرج الترمذي . والحاكم وصححاه . وابن جرير . وغيرهم عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية { يأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ إِنَّ مِنْ أزواجكم } الخ في قوم من أهل مكة أسلموا وأرادوا أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأوا الناس قد فقهوا في الدين هموا أن يعاقبوهم فأنزل الله تعالى الآية ؛ وفي رواية أخرى عنه أنه قال : كان الرجل يريد الهجرة فيحبسه امرأته وولده فيقول : أما والله لئن جمع الله تعالى بيني وبينكم في دار الهجرة لأفعلنّ ولأفعلنّ فجمع الله عز وجل بينهم في دار الهجرة فأنزل الله تعالى : { المؤمنون يأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ إِنَّ مِنْ أزواجكم } الآية .
وقيل : إنهم قالوا لهم لئن جمعنا الله تعالى في دار الهجرة لم نصبكم بخير فلما هاجروا منعوهم الخير فنزلت ، وعن عطاء بن أبي رباح أن عوف بن مالك الأشجعي أراد الغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم فاجتمع أهله أولاده فثبطوه وشكوا إليه فراقه فرق ولم يغز ، ثم إنه ندم فهم بمعاقبتهم فنزلت ، واستدل بها على أنه لا ينبغي للرجل أن يحقد على زوجه وولده إذا جنوا معه جناية وأن لا يدعو عليهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.