روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ يَهۡدِ قَلۡبَهُۥۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (11)

{ مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ } أي ما أصاب أحداً مصيبة على أن المفعول محذوف ، و { مِنْ } زائدة ، و { مُّصِيبَةٍ } فاعل ، وعدم إلحاق التاء في مثل ذلك فصيح لكن الإلحاق أكثر كقوله تعالى : { مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا } [ الحجر : 5 ] { وَمَا تَأْتِيهِم مّنْ ءايَةٍ } [ الأنعام : 4 ] والمراد بالمصيبة الرزية وما يسوء العبد في نفس . أو مال . أو ولد . أو قول . أو فعل أي ما أصاب أحداً من رزايا الدنيا أي رزية كانت { إِلاَّ بِإِذْنِ الله } أي بإرادته سبحانه وتمكينه عز وجل كأن الرزية بذاتها متوجهة إلى العبد متوقفة على إرادته تعالى وتمكينه جل وعلا ، وجوز أن يراد بالمصيبة الحادثة من شر أو خير ، وقد نصوا على أنها تستعمل فيما يصيب العبد من الخير وفيما يصيبه من الشر لكن قيل : إنها في الأول : من الصوب أي المطر ، وفي الثاني : من إصابة السهم ، والأول هو الظاهر ، وإن كان الحكم بالتوقف على الإذن عاماً .

{ وَمَن يُؤْمِن بالله يَهْدِ قَلْبَهُ } عند إصابتها للصبر والاسترجاع على ما قيل ، وعن علقمة للعلم بأنها من عند الله تعالى فيسلم لأمر الله تعالى ويرضى بها ، وعن ابن مسعود قريب منه ، وقال ابن عباس : { يَهْدِ قَلْبَهُ } لليقين فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، وقيل : { يَهْدِ قَلْبَهُ } أي يلطف به ويشرحه لازدياد الخير والطاعة ، وقرأ ابن جبير . وطلحة . وابن هرمز . والأزرق عن حمزة نهد بنون العظمة .

وقرأ السلمي . والضحاك . وأبو جعفر { يَهْدِ } بالياء مبنياً للمفعول { قَلْبَهُ } بالرفع على النيابة عن الفاعل ، وقرئ كذلك لكن بنصب { قَلْبَهُ } ، وخرج على أن نائب الفاعل ضمير { مِنْ } و { قَلْبَهُ } منصوب بنزع الخافض أي يهد في قلبه ، أو يهد إلى قلبه على معنى أن الكافر ضال عن قلبه بعيد منه ، والمؤمن واجد له مهتد إليه كقوله تعالى : { لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ } [ ق : 37 ] فالكلام من الحذف والإيصال نحو { اهدنا الصراط المستقيم } [ الفاتحة : 6 ] ، وفيه جعل القلب بمنزلة المقصد فمن ضل فقد منع منه ومن وصل فقد هدي إليه ، وجوز أن يكون نصبه على التمييز بناءاً على أنه يجوز تعريفه .

وقرأ عكرمة . وعمرو بن دينار . ومالك بن دينار يهدأ بهمزة ساكنة { قَلْبَهُ } بالرفع أي يطمئن قلبه ويسكن الإيمان ولا يكون فيه قلق واضطراب ، وقرأ عمرو بن قايد يهدا بألف بدلاً من الهمزة الساكنة ، وعكرمة . ومالك بن دينار أيضاً { يَهْدِ } بحذف الألف بعد إبدالها من الهمزة ، وإبدال الهمزة في مثل ذلك ليس بقياس على ما قال أبو حيان ، وأجاز ذلك بعضهم قياساً ، وبني عليه جواز حذف تلك الألف للجازم ، وخرج عليه قول زهير بن أبي سلمى :

جرى متى يظلم يعاقب بظلمه *** سريعاً وأن «لا يبد » بالظلم يظلم

أصله يبدأ فأبدلت الهمزة ألفاً ثم حذفت للجازم تشبيهاً بألف يخشى إذا دخل عليه الجازم ، وقوله تعالى : { والله بِكُلّ شَيْء } من الأشياء التي من جملتها القلوب وأحوالها { عَلِيمٌ } فيعلم إيمان المؤمن ويهدي قلبه عند إصابة المصيبة ؛ فالجملة متعلقة بقوله تعالى : { وَمَن يُؤْمِن } الخ ، وجوز أن تكون متعلقة بقوله سبحانه : { مَا أَصَابَ } الخ على أنها تذييل له للتقرير والتأكيد ، وذكر الطيبي أن في كلام الكشاف رمزاً إلى أن في الآية حذفاً أي فمن لم يؤمن لم يلطف به أو لم يهد قلبه ، ومن يؤمن بالله يهد قلبه ، وبنى عليه أن المصيبة تشمل الكفر والمعاصي أيضاً لورودها عقيب جزاء المؤمن والكافر وإردافها بالأمر الآتي » وأي مصيبة أعظم منهما ؟ وهو كما أشار إليه يدفع في نحر المعتزلة .