التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَقَالَ يَٰبَنِيَّ لَا تَدۡخُلُواْ مِنۢ بَابٖ وَٰحِدٖ وَٱدۡخُلُواْ مِنۡ أَبۡوَٰبٖ مُّتَفَرِّقَةٖۖ وَمَآ أُغۡنِي عَنكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٍۖ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُۖ وَعَلَيۡهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ} (67)

وقوله تعالى : { وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ 67 وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ 68 وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } .

لما أراد بنو يعقوب الخروج إلى مصر ليتماروا الطعام قال لهم أبوهم يعقوب : لا تدخلوا مصر من طريق واحد بل ادخلوا من طرق مختلفة ، ذلك أنهم كانوا أحد عشر رجلا لرجل واحد . وكانوا أولي جمال وهيبة وبسطة ؛ فخشي يعقوب عليهم العين إذا دخلوا جميعا من طريق واحد .

ويستدل من ذلك أن يتحرر المسلم على نفسه وولده وماله من العين ، فإنها حق . وفي الخبر : ( إن العين لتدخل الرجل القبر والجمل القدر ) ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من العين : ( أعوذ بكلمات الله التامة ، من كل شيطان وهامة ، ومن كل عين لامة ) إلى غير ذلك من الأدلة على أن العين حق ، هو قول علماء الأمة ومذهب أهل السنة . يضاف إلى ذلك الاستشهاد على حقيقة العين بما يقع من ذلك وما نشاهده في الوجود ؛ فكم من رجل ذي هيبة وهيئة وبهاء ، أو ذي مال وفضل ونعمة ، أزلقته العين إزلاقا ، فهلك في نفسه أو ولده ، أو أحيط بماله وما يملك . وكم من امرأة ذات حسن وجمال وكمال نشبت فيها عيون الحاسدين التي تنظر وترمق في حسد لئيم قاتل ، فأودت بها إلى الموت أو دونه من العلل والأسقام ؛ إنه حقيق بكل مسلم يتقي الله ويخشاه أن يحب إخوته المسلمين جميعا ؛ فيجب لهم الخير والهناء والسعادة ، ويكره لهم الشر والضرر والمكاره ، وأن يدعو لهم دائما بالخير والبركة إذا رأى فيهم وجها من وجوه النعمة من مال أو جمال أو هيبة أو مكانة أو عافية أو غير ذلك من وجوه النعمة ؛ فلا يرى المسلم شيئا من ذلك حتى يبادر دون وناء أو إبطاء بالدعاء : ( ما شاء الله ، لا قوة إلا بالله ، تبارك الله أحسن الخالقين ، اللهم بارك فيه ) .

قوله : { وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ } أي لا أستطيع دفع شيء عنكم من قضاء الله المكتوب ؛ فقضاء الله نافذ في خلقه ، ولا ترده قوى الكون مجتمعة . ومما هو معلوم في هذا الصدد أنه لا يغني حذر من قدر .

قوله : { إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } أي ليس الأمر والقضاء إلا بيد الله دون أحد سواه ؛ فقد توكلت عليه ، وفوضت أمري كله إليه ، ووثقت به في حفظكم ورعايتكم وردكم سالمين معافين { وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ } فليتوكل المؤمنون على ربهم وليفوضوا أمرهم كله إليه ، وليثقوا بتوفيقه وحفظه ؛ فغنه يكتب السلامة والنجاة لبعاده المؤمنين المخلصين المتوكلين .