غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَقَالَ يَٰبَنِيَّ لَا تَدۡخُلُواْ مِنۢ بَابٖ وَٰحِدٖ وَٱدۡخُلُواْ مِنۡ أَبۡوَٰبٖ مُّتَفَرِّقَةٖۖ وَمَآ أُغۡنِي عَنكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٍۖ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُۖ وَعَلَيۡهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ} (67)

54

قال جمهور المفسرين : إنما نهاهم أن يدخلوا من باب واحد خوفاً عليهم من إصابة العين . وههنا مقامان : الأوّل أن الإصابة بالعين حق لإطباق كثير من الأمة ولما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعوّذ الحسن والحسين فيقول : " أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة . " أي جامعة لشر " ، من لمه إذا جمعه ، أو المراد ملمة والتغيير للمزاوجة . وعن عبادة بن الصامت قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول النهار فرأيته شديد الوجع ، ثم عدت إليه آخر النهار فرأيته معافى . فقال : " إن جبرائيل عليه السلام أتاني فرقاني وقال : بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من كل عين وحاسد الله يشفيك . قال : فأفقت . " وروي أنه دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت أم سلمة وعندها صبي يشتكي فقالوا : يا رسول الله أصابته العين . قال : أفلا تسترقون له من العين ؟ وعنه صلى الله عليه وسلم : " العين حق ولو كان شيء يسبق القدر لسبقت العين القدر " . وقالت عائشة : كان يأمر العائن أن يتوضأ ثم يغتسل منه المعين . المقام الثاني في الكشف عن حقيقته . قال الجاحظ : يمتد من العين أجزاء فتتصل بالشخص المستحسن فتوثر وتسري فيه كتأثير اللسع والسم . واعترض الجبائي وغيره بأنه لو كان كذلك لأثر في غير المستحسن كتأثيره في المستحسن . وأجيب بأن المستحسن إن كان صديقاً للعائن عند ذلك الاستحسان خوف شديد من زواله ، وإن كان عدواً حصل له خوف شديد من حصوله ، وعلى التقديرين يسخن الروح وينحصر في داخل القلب ويحصل في الروح الباصرة كيفية مسخنة مؤثرة ، فلهذا السبب أمر النبي صلى الله عليه وسلم العائن بالوضوء من أصابته العين بالاغتسال منه . وقال أبو هاشم وأبو القاسم البلخي : لا يمتنع أن صاحب العين إذا شاهد الشيء وأعجب به كانت المصلحة له في تكليفه أن غير الله ذلك الشخص حتى لا يبقى قلب ذلك المكلف معلقاً به . وقال الحكماء : ليس من شرط المؤثر أن يكون تأثيره بحسب هذه الكيفيات المحسوسة بل قد يكون التأثير نفسانياً محضاً أو وهمياً كما للماشي على الجذع ، أو تصوّرياً كما في الحركات البدنية ، وقد يكون للنفوس خواص عجيبة تتصرف غير أبدانها بحسبها فمنها المعجز ومنها السحر ومنها الإصابة بالعين . أما الجبائي وغيره ممن أنكر العين فقد قالوا : إن أولاد يعقوب اشتهروا بمصر وتحدث الناس بكمالهم وجمالهم وهيئتهم فلم يأمن يعقوب أن يخافهم الملك الأعظم على ملكه فيحبسهم . وقيل : إنه كان عالماً بأن الملك ولده إلا أن الله تعالى لم يأمره بإظهاره وكان غرضه أن يصل بنيامين إليه في غيبتهم قاله إبراهيم النخعي . واعلم أن العبد يجب عليه أن يسعى بأقصى الجهد والقدرة ولكنه بعد السعي البليغ يجب أن يعلم أن كل ما يدخل في الوجود فهو بقضاء الله وقدره وأن الحذر لا يغني عن القدر فلهذا قال يعقوب : { وما أغني عنكم من الله من شيء } فقوله الأوّل مبني على رعاية الأسباب والوسائط ، وقوله الثاني إلى آخر الآية إشارة إلى الحقيقة وتفويض الأمر بالكلية إلى مسبب الأسباب .

/خ68