{ و } لما عزموا على الخروج إلى مصر وكانوا موصوفين بالكمال والجمال وأبناء رجل واحد { قال } لهم { يا بني لا تدخلوا } إذا قدمتم إلى مصر { من باب واحد } من أبوابها { وادخلوا من أبواب } واحترز من أن تكون متلاصقة أو متقاربة جداً بقوله : { متفرّقة } ، أي : تفرّقا كثيراً ، وهذا حكم التكليف لئلا يصابوا بالعين ، وهي من قدر الله تعالى .
وقد ورد شرعنا بذلك ففي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «العين حق » . وفي رواية عن أحمد «يحضرها الشيطان وحسد ابن آدم » . وفي رواية لمسلم : «العين حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين » . وفي رواية عن جابر : «إنّ العين لتدخل الجمل القدر والرجل القبر » ، وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم كان يعوّذ الحسن والحسين فيقول : «أعيذكما بكلمات الله التامّة من كل شيطان وهامّة ومن كل عين لامّة » . ويقول : «هكذا كان يعوّذ إبراهيم إسماعيل وإسحاق » صلوات الله وسلامه عليهم وعلى سائر النبيين ، وعن عبادة بن الصامت قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوّل النهار فوجدته شديد الوجع ، ثم عدت إليه في آخر النهار فرأيته معافى فقال : «إنّ جبريل عليه السلام أتاني فرقاني فقال : بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من كل عين وحاسد الله يشفيك ، قال فأفقت » وفي رواية أنّ بني جعفر بن أبي طالب كانوا غلماناً بيضاً فقالت أسماء : يا رسول الله ، إنّ العين إليهم سريعة فاسترق لهم من العين ؟ فقال لها : «نعم » . وفي رواية دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت أمّ سلمة وعندها صبي يشتكي فقالوا : يا رسول الله أصابته العين . فقال : «أما تسترقون له من العين » . وعن عائشة رضي الله تعالى عنها «كان يؤمر العائن أن يتوضأ ثم يغتسل منه المعين الذي أصيب بالعين » .
ولما خاف يعقوب عليه السلام أن يسبق من أمره هذا إلى بعض الأوهام أنّ الحذر يغني عن القدر نفى ذلك بقوله عليه السلام { وما أغني } ، أي : أدفع { عنكم } بقولي ذلك { من الله من شيء } قدره عليكم ، وإنما ذلك شفقة ، ومن مزيدة للتأكيد ، واعلم أنّ الإنسان مأمور بأن يراعي الأسباب المعتبرة في هذا العالم بأن يجزم بأنه لا يحصل الا ما قدره الله تعالى وإن الحذر لا يدفع القدر ، فالإنسان مأمور بأن يحذر الأشياء المهلكة والأغذية الضارة ، ويسعى في تحصيل المنافع ودفع المضارّ بقدر الإمكان ، ومع ذلك يكون جازماً بأنه لا يصل إليه إلا ما قدّره الله تعالى ، ولا يحصل في الوجود إلا ما أراده الله تعالى ، فقوله عليه السلام : { لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة } إشارة إلى رعاية الأسباب المعتبرة في هذا العالم ، وقوله : { وما أغني عنكم من الله من شيء } إشارة إلى عدم الالتفات إلى الأسباب بل إلى التوحيد المحض ، والبراءة من كل شيء سوى الله تعالى . ولما قصر الأمر كله إليه تعالى وجب رد كل أمر إليه ، وقصر النظر عليه ، فقال منبهاً على ذلك { إن الحكم إلا لله } وحده الذي ليس الحكم إلا له { عليه } ، أي : على الله وحده { توكلت } ، أي : جعلته وكيلي فرضيت بكل ما يفعل { وعليه } وحده { فليتوكل المتوكلون } ، أي : الثابتون في باب التوكل ، فإنّ ذلك من أعظم الواجبات من فعله فاز ومن أغفله خاب ، وقد ثبت بالبرهان أن لا حكم إلا لله ، فلزم القطع بأنّ حصول كل الخيرات ودفع كل الآفات من الله تعالى ، وذلك يوجب أن لا توكل إلا على الله تعالى ، فهذا مقام شريف عال .
والشيخ أبو حامد الغزالي أكثر في تقرير هذا المعنى في كتاب التوكل من كتب «إحياء علوم الدين » فمن أراد الاستقصاء فيه فليطالع ذلك الكتاب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.