تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَقَالَ يَٰبَنِيَّ لَا تَدۡخُلُواْ مِنۢ بَابٖ وَٰحِدٖ وَٱدۡخُلُواْ مِنۡ أَبۡوَٰبٖ مُّتَفَرِّقَةٖۖ وَمَآ أُغۡنِي عَنكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٍۖ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُۖ وَعَلَيۡهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ} (67)

وقوله تعالى : ( وَقَالَ يَا بَنِي لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ ) قال بعضهم من أهل التأويل : إن يعقوب خاف عليهم العين ، لأنهم كانوا ذوي صورة وجمال وبهاء ، فخشي عليهم العين لذلك أمرهم أن يدخلوا متفرقين .

وقال بعضهم : خشي عليهم البيات والهلاك ؛ لأنهم كانوا أهل قوة ومنعة ، فيخافهم أهل البلد ويفرقون منهم [ خوف ][ ساقطة من الأصل وم ] السرقة ، فأمرهم بالتفرق ، وهو قول ابن عباس . فإذا كانوا متفرقين فلا يهلك[ في الأصل وم : يهلكون ] الكل ، وإنما يهلك بعض وينجو بعض ، أو لا يدري ما أراد بهذا .

وقال بعضهم : علم يعقوب أنهم لا يهلكون من رأى يوسف من الرؤيا أن يسجد له إخوته ، ولكن خاف عليهم أن يصيبهم النكبة ، لذلك أمرهم أن يدخلوا من أبواب متفرقة أو سكك متفرقة أو من طرق متفرقة ، أو ما قالوا .

وقوله تعالى : ( وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ) أي لا أدفع عنكم إن أصابكم نكبة أو عين .

فإن قيل : لو كان أمره إياهم بالتفرق لخوف العين أو لخوف أهل البلد منهم السرقة والإغارة ، كيف لم يأمرهم بذلك في المرة الأولى ؟ لم يخش ذلك لما قد يقع [ في ][ ساقطة من الأصل وم ] الاجتماع ما ذكر ابن عباس رضي الله عنه أنه يخافهم أهل البلد إذا رأوهم مجتمعين أنهم لصوص ، وأنهم كذا .

[ قيل : إن يكن ][ في الأصل وم : ولكن أن يكون ] في المرة الأولى لم يخش لما قد يقع الاجتماع في أمثال ذلك من الرفقاء والصحابة فلا يكون في ذلك الخوف الذي ذكروا ، وإذا عادوا في المرة الثانية قد يحتمل ذلك الخوف من العين وغيره إذا علم أهل البلدان ذلك العدد تحت أب واحد . أو أمرهم بالتفرق [ في الأبواب بمحنة ][ في الأصل وم : الأبواب بمحنة ] ، امتحن بذلك ، وأمر به ، أو لمعنى غاب عنا . لا نحتاج إليه ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ) : أي لا أدفع عنكم بما أحتال ما قدر الله ، وقضاه ، أن يصيبكم ؛ [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] يصيبكم ، لا محالة ، وينزل بكم ( إن الحكم ) أي ما الحكم في ذلك ( إلا لله ) ما في حكمه وقضائه أن يصيبكم ، يصيبكم[ في الأصل وم : فيصيبكم ] ، لا محالة .

وقوله تعالى : ( عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ ) هذا أصل كل أمر يخاف المرء : أن يأخذ بالحذر ، ويتوكل مع ذلك على الله على ما أمر يعقوب عليه السلام بالحذر في ذلك . ثم التوكل[ في الأصل وم : توكل ] على الله . والحذر هو العادة في الخلق ، والتوكل تفويض الأمر إلى الله ، والاعتماد عليه ، والله أعلم .