محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَقَالَ يَٰبَنِيَّ لَا تَدۡخُلُواْ مِنۢ بَابٖ وَٰحِدٖ وَٱدۡخُلُواْ مِنۡ أَبۡوَٰبٖ مُّتَفَرِّقَةٖۖ وَمَآ أُغۡنِي عَنكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٍۖ إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُۖ وَعَلَيۡهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ} (67)

[ 67 ] { وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون 67 } .

{ وقال } أي أبوهم : { يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة } أي لئلا يستلفت دخولهم من باب واحد ، أنظار من يقف عليه من الجند ، ومن يعسّ للحاكم ، فيريب بهم ، لأن دخول قوم على شكل واحد ، وزي متحد ، على بلدهم غرباء عنه ، مما يلفت نظر كل راصد . كانت المدن وقتئذ مبوبّة لا ينفذ إليها إلا من أبوابها ، / وعلى كل باب حرسه ، وليس دخول الفرد كدخول الجمع في التنبه ، واتباع البصر . وقيل : نهاهم لئلا تصيبهم العين إذا دخلوا كوكبة واحدة وسيأتي بيانه .

{ وما أغني عنكم من الله من شيء } أي لا أدفع عنكم بتدبيري شيئا مما قضي عليكم ، فإن الحذر لا يمنع القدر .

قال أبو السعود : ولم يرد به عليه السلام إلغاء الحذر بالمرة ، كيف لا وقد قال عز قائلا{[4929]} : { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } وقال{[4930]} : { خذوا حذركم } . بل أراد بيان أن ما وصاهم به ليس مما يستوجب المراد لا محالة ، بل هو تدبير في الجملة . وإنما التأثير وترتيب المنفعة عليه من العزيز القدير ، وإن ذلك ليس بمدافعة للقدر ، بل هو استعانة بالله تعالى ، وهرب منه إليه . { إن الحكم إلا لله } أي لا يشاركه أحد ، ولا يمانعه شيء { عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون } .


[4929]:[2 / البقرة / 195].
[4930]:[4 / النساء / 71 و 102].