التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَلَقَدۡ بَعَثۡنَا فِي كُلِّ أُمَّةٖ رَّسُولًا أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجۡتَنِبُواْ ٱلطَّـٰغُوتَۖ فَمِنۡهُم مَّنۡ هَدَى ٱللَّهُ وَمِنۡهُم مَّنۡ حَقَّتۡ عَلَيۡهِ ٱلضَّلَٰلَةُۚ فَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ} (36)

قوله تعالى : { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ( 36 ) إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين ( 37 ) } .

لله الحجة البالغة على الناس جميعا ؛ فإنه ما من أمة من الأمم على وجه هذه الأرض إلا أرسل الله فيهم نذيرا منهم ليدعوهم إلى عبادة الله وحده وليقلعوا عن الشرك بكل صوره وأشكاله وأن يبتعدوا عن ( الطاغوت ) ويحذروه أشد تحذير .

و ( الطاغوت ) ، معناه : الطاغي المعتدي ، أو كثير الطغيان ، والمراد به هنا كل رأس في الضلال يصرف عن طريق الخير . وهو الشيطان والكاهن والساحر وكل معبود من دون الله من الجن والإنس والأصنام{[2525]} .

وينبغي التذكير بحقيقة الطاغوت في مفهومه المستجد ليكون المسلمون على بينة من أمرهم ، وأن يأخذوا لأنفسهم بالغ الحيطة والحذر مما يدور من حولهم من افتراءات ومؤامرات وخيانات ومكائد . وذلك بالنظر لتطور الأساليب في الإطغاء والإضلال ، وبالنظر للتغيير في وجوه الكفر مع أنها في حقيقتها وماهيتها ليست إلا الجحود والنكول عن منهج الله والإعراض عن دينه ، دين التوحيد والرحمة والعدل والمساواة .

وأساليب الإطغاء والإضلال كثيرة وفظيعة . وهي في هذا الزمان قد اتخذت منحى في غاية الفضاعة والباطل والنكر ، وغاية التأثير الماحق الذي يأتي على القلوب والضمائر فيبدد فيها معالم الصلة بالله ، ويأتي على الفطرة الإنسانية الأساسية فيسومها الإفساد والتمييع والانحراف ، وهو كذلك يأتي على العقول ليصب فيها الثقافات الضالة الجاحدة التي تزين للإنسان إعلان الحرب على منهج الله وعلى دينه الحق ، دين التوحيد والاستقامة والفضيلة كل ذلك بفعل الشياطين من طواغيت البشر الذين يصدون الناس عن منهج الله . منهج الإسلام . وذلك بمختلف الأسباب والوسائل في الخداع والتضليل والتشويه والافتراء ، واصطناع الشبهات والحملات الثقافية المكذوبة على الإسلام في عقيدته وتشريعه وتاريخه ومجتمعه .

إن ذلكم كله من فعل الطاغوت الذي حذرنا الله منه وحرضنا على اجتنابه كيلا نقع في شراكه ، شراك الكفر والظلم والضلال .

قوله : ( فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة ) أي من هذه الأمم التي بعث الله فيهم النبيين من أرشده الله إلى دينه الحق القويم فآمن وصدق واستقام . ومنهم من ثبتت عليه الضلالة والزيغ عن الحق لعناده وإصراره على الكفر والباطل .

وهذه من الوسائل الدقيقة التي خاض فيها العلماء من أهل السنة والمعتزلة .

وخلاصة القول في هذه المسألة عند أهل السنة : أن الله سبحانه هدى البعض وأضل البعض . فالهدى والضلال بيد الله سبحانه ، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون ؛ فقد أمر الله الرسل بالتبليغ . وهذا التبليغ واجب عليهم والله تعالى يهدي من يشاء بإحسانه ويضل من يشاء بخذلانه .

وقال المعتزلة : إن الله لم يمنع أحدا من الإيمان ولم يوقعه في الكفر . والرسل ليس عليهم إلا التبليغ ، فما بلغوا ما كلفوا بتبليغه ؛ كان الإنسان بعد ذلك مختارا ما يريده من الحق أو الضلال .

قوله : ( فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) أي إن كنتم تكذبون ما نذكره لكم عن حال الأمم السابقة وما حل بهم من البأس والتدمير بسبب جحودهم وعصيانهم فسيروا أنتم في الأرض التي كانت مقامهم ، والبلاد التي عمروها وبنوا فيها الحضارة وشيدوا فيها المباني والعمران ، ثم انظروا إلى آثار عذاب الله فيهم ، وكيف أعقبهم تكذيبهم وعصيانهم ما حاق بهم من الهلاك والسوء . وسوف تعلمون إذ ذاك صدق ما نقوله لكم لكي تعتبروا وتتعظوا وتتزجروا عن الشرك والضلال .


[2525]:- المعجم الوسيط جـ1 ص 558 ومختار الصحاح ص 393.