التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ لَا يَبۡعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُۚ بَلَىٰ وَعۡدًا عَلَيۡهِ حَقّٗا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ} (38)

قوله تعالى : { وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( 38 ) ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين ( 39 ) إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ( 40 ) } .

ذكر في سبب نزول هذه الآية : أن رجلا من المسلمين كان له على رجل من المشركين دين فأتاه يتقاضاه ، فكان فيما تكلم به : والذي أرجوه بعد الموت . فقال المشرك : وإنك لتزعم أنك لتبعث بعد الموت ، فأقسم بالله لا يبعث الله من يموت ؛ فأنزل الله هذه الآية{[2527]} وفيها إخبار من الله عن المشركين أنهم حلفوا فأقسموا بالله ( جهد أيمانهم ) أي اجتهدوا في الحلف وبالغوا في تغليظ اليمين على أن الله لا يبعث من يموت . وهذا تكذيب فاجر فاضح بيوم القيامة . هذا الركن الركين في عقيدة هذا الدين ! فإنه لا يجترئ على التكذيب بالبعث أو بقيام الساعة إلا خاسر هالك تاعس ، مردود في زمرة الأشقياء الأذلين ، أو هو في عداد الكافرين الضالين الذين سقطوا في براثن الجحود والتكذيب المتوقح لرب العالمين .

قوله : ( بلى ) وهذا إثبات لما بعد النفي ؛ أي بلى ليبعثنهم يوم القيامة ليناقشوا الحساب ثم يلاقوا ما يستحقونه من جزاء .

قوله : ( وعدا عليه حقا ) ( وعدا ) ، مصدر مؤكد . و ( حقا ) صفة للوعد ؛ أي وَعَدَ العبث وعدا حقا . والبعث حقيقة كونية هائلة تصدقها الأذهان في بساطة ، وتركن إليها القلوب والفطر السليمة في راحة ورضى ؛ إذ تحس من أعماق أعماقها حقيقة هذا الحدث الكوني الأكبر ، الحدث المزلزل الجلل الذي يأتي على الحياة والكائنات والوجود كله ليصير إلى الفناء الكامل ، والانهيار المريع . وذلكم وعد من الله كتبه في الأزل . ووعد الله حق وصدق . وهو سبحانه لا يخلف الميعاد .

قوله : ( ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) أكثر الناس لا يصدقون قيام الساعة ، وأن يبعث في القبور ليساقوا بعد ذلك مهطعين مذعورين إلى الحشر . أكثر الناس ذاهلون غافلون عن هذه الحقيقة الآتية الكبرى . وذلك لفرط جهالتهم وضلالهم وإغراقهم في شهواتهم وملذاتهم وأهوائهم ؛ ولان الشياطين من الجن والإنس جهدوا جهدا بالغا في إضلال الناس وإثارة الشكوك والظنون في تصوراتهم فسدروا خلف الشياطين والطواغيت منقادين خائرين .


[2527]:- أسباب النزول للنيسابوري ص 188.