فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَقَدۡ بَعَثۡنَا فِي كُلِّ أُمَّةٖ رَّسُولًا أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجۡتَنِبُواْ ٱلطَّـٰغُوتَۖ فَمِنۡهُم مَّنۡ هَدَى ٱللَّهُ وَمِنۡهُم مَّنۡ حَقَّتۡ عَلَيۡهِ ٱلضَّلَٰلَةُۚ فَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ} (36)

{ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ( 36 ) }

ثم إنه سبحانه أكد هذا وزاده إيضاحا فقال :

{ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً } كما بعثنا في هؤلاء لإقامة الحجة عليهم وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وأن في قوله { أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ } إما مصدرية أي بعثنا بأن اعبدوا الله وحده أو مفسرة لأن في البعث معنى القول والوجهان حكاهما السمين وغيره .

{ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ } أي اتركوا كل معبود دون الله كالشيطان والكاهن والصنم ، وكل من دعا إلى الضلال وهو من الطغيان يذكر ويؤنث ، ويقع على الواحد كقوله يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به وعلى الجمع كقوله تعالى أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم ، والجمع طواغيت والتقدير واجتنبوا عبادتها فالكلام على حذف المضاف .

{ فَمِنْهُم } أي فمن هذه الأمم التي بعث الله إليها برسله { مَّنْ هَدَى اللّهُ } أي أرشده إلى دينه وتوحيده وعبادته واجتناب الطاغوت فآمن { وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ } أي وجبت وثبتت بالقضاء السابق في الأزل لإصراره على الكفر والعناد فلم يؤمن .

قال الزجاج : اعلم أنه بعث الرسل بالأمر بالعبادة وهو من وراء الضلال والهداية ، ومثل هذه الآية قوله تعالى : { فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة } .

وفي هذه الآية التصريح بأن الله أمر جميع عباده بعبادته واجتناب الشيطان وكل ما يدعو إلى الضلال ، وأنهم بعد ذلك فريقان فمنهم من هدى ومنهم من حقت عليه الضلالة فكان في ذلك دليل على أن أمر الله سبحانه لا يستلزم موافقة إرادته فإنه يأمر الكل بالإيمان ، ولا يريد الهداية إلا البعض إذ لو أرادها للكل لم يكفر أحد ، وهذا معنى ما حكيناه عن الزجاج هنا .

{ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ } سير المعتبرين المتفكرين لتعرفوا مآل من كذب الرسل وهو خراب منازلهم بالعذاب والهلاك وفي الفاء إشعار بوجوب المبادرة إلى النظر والاستدلال { فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ } رسلهم من الأمم السابقة عند مشاهدتكم لآثارهم كعاد وثمود أي كيف ما آخر أمرهم إلى خراب الديار بعد هلاك الأبدان بالعذاب .