فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلَقَدۡ بَعَثۡنَا فِي كُلِّ أُمَّةٖ رَّسُولًا أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجۡتَنِبُواْ ٱلطَّـٰغُوتَۖ فَمِنۡهُم مَّنۡ هَدَى ٱللَّهُ وَمِنۡهُم مَّنۡ حَقَّتۡ عَلَيۡهِ ٱلضَّلَٰلَةُۚ فَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ} (36)

ثم إنه سبحانه أكد هذا ، وزاده إيضاحاً فقال : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلّ أُمَّةٍ رَّسُولاً } كما بعثنا في هؤلاء لإقامة الحجة عليهم { وَمَا كُنَّا مُعَذّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولاً } [ الإسراء : 15 ] و«أن » في قوله : { أَنِ اعبدوا الله } إما مصدرية أي : بعثنا بأن اعبدوا الله ، أو مفسرة ؛ لأن في البعث معنى القول : { واجتنبوا الطاغوت } أي : اتركوا كل معبود دون الله كالشيطان ، والكاهن ، والصنم ، وكل من دعا إلى الضلال . { فَمِنْهُمْ } أي : من هذه الأمم التي بعث الله إليها رسله { مَنْ هَدَى الله } أي : أرشده إلى دينه وتوحيده وعبادته واجتناب الطاغوت { وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضلالة } أي : وجبت وثبتت ، لإصراره على الكفر والعناد . قال الزجاج : أعلم الله أنه بعث الرسل بالأمر بالعبادة ، وهو من وراء الإضلال والهداية . ومثل هذه الآية قوله تعالى : { فَرِيقًا هدى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضلالة } [ الأعراف : 30 ] . وفي هذه الآية التصريح بأن الله أمر جميع عباده بعبادته ، واجتناب الشيطان ، وكل ما يدعو إلى الضلال ، وأنهم بعد ذلك فريقان : فمنهم من هدى ، ومنهم من حقت عليه الضلالة ، فكان في ذلك دليل على أن أمر الله سبحانه لا يستلزم موافقة إرادته فإنه يأمر الكل بالإيمان ، ولا يريد الهداية إلاّ للبعض ، إذ لو أرادها للكل لم يكفر أحد ، وهذا معنى ما حكيناه عن الزجاج هنا . { فَسِيرُوا فِي الأرض } سير معتبرين { فانظروا كَيْفَ كَانَ عاقبة المكذبين } من الأمم السابقة عند مشاهدتكم لآثارهم كعاد وثمود ، أي : كيف صار آخر أمرهم إلى خراب الديار بعد هلاك الأبدان بالعذاب .

/خ40