السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَقَدۡ بَعَثۡنَا فِي كُلِّ أُمَّةٖ رَّسُولًا أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجۡتَنِبُواْ ٱلطَّـٰغُوتَۖ فَمِنۡهُم مَّنۡ هَدَى ٱللَّهُ وَمِنۡهُم مَّنۡ حَقَّتۡ عَلَيۡهِ ٱلضَّلَٰلَةُۚ فَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ} (36)

ثم بين تعالى أنّ البعثة أمر جرت به السنة الإلهية في الأمم كلها سبباً لهدى من أراد اهتداءه ، وزيادة لضلال من أراد ضلاله ، كالغذاء الصالح فإنه ينفع المزاج السوي ويقويه ويضرّ المزاج المنحرف ويفنيه بقوله تعالى : { ولقد } أي : والله لقد { بعثنا } أي : بما لنا من العظمة التي من اعترض عليها قصم . { في كل أمّة } من الأمم الذين من قبلكم { رسولاً } أي : كما بعثنا فيكم محمداً صلى الله عليه وسلم رسولاً . { أن اعبدوا الله } أي : الملك الأعلى وحده . وقرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة بكسر النون في الوصل والباقون بالضم . { واجتنبوا الطاغوت } أي : الأوثان أن تعبدوها { فمنهم من هدى الله } أي : وفقهم للإيمان بإرشاده { ومنهم من حقت } أي : وجبت { عليه الضلالة } أي : في علم الله تعالى فلم ينفعهم ولم يرد هداهم .

تنبيه : في هذه الآية أبين دليل على أنّ الهادي والمضل هو الله تعالى لأنه المتصرف في عباده يهدي من يشاء ويضل من يشاء لا اعتراض عليه فيما حكم به لسابق علمه .

ثم التفت سبحانه وتعالى إلى مخاطبتهم إشارة إلى أنه لم يبق بعد هذا الدليل القطعي في نظر البصيرة إلا الدليل المحسوس للبصر فقال تعالى : { فسيروا } أي : فإن كنتم أيها المخاطبون في شك من أخبار الرسل فسيروا { في الأرض } أي : جنسها { فانظروا } أي : إذا سرتم ومررتم بديار المكذبين وآثارهم ، ثم أشار تعالى بالاستفهام إلى أن أحوالهم مما يجب أن يسأل عنه للاتعاظ به فقال : { كيف كان عاقبة } أي : آخر أمر { المكذبين } أي : من عاد ومن بعدهم من الذين تلقيتم أخبارهم عمن قلدتموهم في الكفر من أسلافكم لعلكم تعتبرون .