اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَقَدۡ بَعَثۡنَا فِي كُلِّ أُمَّةٖ رَّسُولًا أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجۡتَنِبُواْ ٱلطَّـٰغُوتَۖ فَمِنۡهُم مَّنۡ هَدَى ٱللَّهُ وَمِنۡهُم مَّنۡ حَقَّتۡ عَلَيۡهِ ٱلضَّلَٰلَةُۚ فَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ} (36)

{ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } فإنه يدلُّ على أنه - تعالى - كان أبداً في جميع الأمم ؛ آمراً بالإيمان ، وناهياً عن الكفر .

ثم قال : { فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى الله وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضلالة } أي : فمنهم من هداه الله إلى الإيمان ، ومنهم من أضله عن الحق ، وأوقعه في الكفر ، وهذا يدلُّ على أنَّ أمر الله لا يوافق إرادته ؛ بل قد يأمر بالشيء ولا يريده ، وينهى عن الشيء ويريده ، وقد تقدم تأويلات المعتزلةِ ، وأجوبتهم مراراً .

والطاغوتُ : كل معبودٍ من دون الله ، وقيل : اجتنبوا الطَّاغوت : أي طاعة الشيطان .

قوله : { أَنِ اعبدوا الله } يجوز في " أنْ " أن تكون تفسيرية ؛ لأنَّ البعث يتضمن قولاً ، وأن تكون مصدرية ، أي : بعثناه بأن اعبدوا .

قوله : { فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى الله وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضلالة } يجوز في " مَنْ " الأولى أن تكون نكرة موصوفة ، والعائد على كلا التقديرين محذوف من الأول ، وقوله " حقَّتْ " يدل على صحة مذهب أهل السنةِ ؛ لأنَّه تعالى لمَّا أخبر عنه أنَّه حقت عليه الضلالة ، امتنع أن لا يصدر منه الضلالة ، وإلاَّ لانقلب خبر الله تعالى الصدق كذباً ، وهو محال ؛ ويؤيده قوله : { فَرِيقاً هدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضلالة } [ الأعراف : 30 ] ، وقوله : { إِنَّ الذين حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ } [ يونس : 96 ] وقوله : { لَقَدْ حَقَّ القول على أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ } [ يس : 7 ] ثم قال - عز وجل- : { فَسِيرُواْ فِي الأرض فانظروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المكذبين } أي : مآل أمرهم ، وخراب منازلهم بالعذاب ، والهلاك ؛ فتعتبروا ، ثم أكد أنَّ من حقت عليه الضلالة ؛ فإنه لا يهتدي ؛ فقال تعالى : { إِن تَحْرِصْ على هُدَاهُمْ } أي : تطلب بجهدك ذلك ؛ { فَإِنَّ الله لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ } .