التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{إِذَا ٱلشَّمۡسُ كُوِّرَتۡ} (1)

مقدمة السورة:

بيان إجمالي للسورة

هذه السورة مكية وآياتها تسع وعشرون . وهي ، حقا مرعبة مفزعة ، فما يقرأها متدبر خاشع أو يتملاها وخياله وجنانه حتى تأخذه موجة من الذهول العارم ، وتغشاه غاشية من الفزع والوجوم . ذلك ما يستشعره المرء وهو يتلو هاتيك الآيات المتتابعة من هذه السورة العجيبة . آيات مفعمة عجاب يتبع بعضها بعضا في تعاقب رتيب مثير ، وفي إيقاع شديد بالغ يصخّ رنينه أعماق القلب و الحس فيشدههما شدها . ولا عجب فإنك ترى السورة بآياتها الندية وكلماتها المفخمة العذاب تنشر للخيال صورة وافية متكاملة عن أحداث القيامة وقوارعها العظام . فما يتلو القارئ هذه الآيات والكلمات حتى ليوشك أن ينظر إلى القيامة فيراها رأي العين . وفي ذلك أخرج أحمد والترمذي والطبراني والحاكم عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من سرّه أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأي عين فليقرأ : { إذا الشمس كوّرت ، وإذا السماء انفطرت ، وإذا السماء انشقت } " .

أما يوم القيامة فإنه بفظاعته وجسيم أحداثه ونوازله لهو أشبه بانقلاب كوني رعيب مخوف يأتي على الوجود كله فيهدّه هدّا ويدركه أيما اندكاك ثم يبدل كل شيء فيه تبديلا .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ إذا الشمس كوّرت 1 وإذا النجوم انكدرت 2 وإذا الجبال سيّرت 3 وإذا العشار عطلت 4 وإذا الوحوش حشرت 5 وإذا البحار سجّرت 6 وإذا النفوس زوّجت 7 وإذا الموءودة سئلت 8 بأي ذنب قتلت 9 وإذا الصحف نشرت 10 وإذا السماء كشطت 11 وإذا الجحيم سعرت 12 وإذا الجنة أزلفت 13 علمت نفس ما أحضرت } .

هذه جملة أحداث مريعة في يوم القيامة ، وهي تكشف عن فظاعة هذا اليوم العصيب . لا جرم أن الساعة حدث مفظع هائل يفوق البال ويجاوز كل تصور وحسبان . إنه انفلات كامل لنواميس هذا الكون ونهاية عظمى لحركة الحياة في هذه الدنيا . بل إنه انقلاب شامل يأتي على الوجود كله فيبدله تبديلا . وهذه حقائق كبريات تكشف عنها هذه الآيات المؤثرة المصوّرة أيما تأثير وتصوير وهي قوله : { إذا الشمس كوّرت } من التكوير وهو جمع الشيء بعضه على بعض . ومنه تكوير العمامة وجمع الثياب بعضها إلى بعض . وكورت ، أي جمع بعضها إلى بعض ثم لفت فرمي بها وطرحت عن فلكها . وقيل : طرحت في جهنم لازدياد حرها ولهيبها .