اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِذَا ٱلشَّمۡسُ كُوِّرَتۡ} (1)

مقدمة السورة:

مكية ، وهي تسع وعشرون آية ، ومائة وأربع كلمات ، وأربعمائة وأربعة وثلاثون حرفا .

قوله تعالى : { إِذَا الشمس كُوِّرَتْ } : في ارتفاع الشمس وجهان :

أصحهما : أنها مرفوعة بفعل مقدر مبني للمفعول ، حذف وفسَّره ما بعده على الاشتغال ، والرفع على هذا الوجه ، أعني : إضمار الفعل واجبٌ عند البصريين ؛ لأنهم لا يجيزون أن يليها غيره ، ويتَأوَّلُون ما أوهمَ خلافَ ذلكَ .

والثاني : أنَّها مرفوعة بالابتداء ، وهو قول الكوفيين ، والأخفش ، لظواهر جاءت في الشعر ، وانتصر له ابن مالك .

قال الزمخشري{[59423]} : ارتفاع «الشمس » على الابتداء ، أو الفاعليَّة ؟ .

قلت : بل على الفاعلية ثم ذكر نحو ما تقدم ، ويعني بالفاعلية : ارتفاعها بفعل الجملة ، وقد مرَّ أنَّهُ يسمي مفعول ما لم يسم فاعله فاعلاً ، وارتفاع «النجوم » وما بعدها ، كما تقدَّم في «الشمس » .

فصل في تفسير معنى التكوير

قد تقدَّم تفسير التَّكوير في أول «تنزيل » .

قيل : التَّلفيف على جهةِ الاستدارة ، كتكوير العمامة .

وفي الحديث : «نعُوذُ باللهِ مِنَ الحَوْرِ بَعدَ الكَوْرِ » ، أي : من التشتت بعد الألفة .

وقيل : من فساد أمورنا بعد صلاحها .

والحَوْرُ : بالحاء المهملة والراء ؛ الطيُّ واللَّف ، والكورُ والتَّكويرُ واحدٌ .

وسميت كارَّة القصار : كارة ؛ لأنه يجمع ثيابه في ثوب واحد .

ثم إن الشيء الذي يلفّ يصير مختفياً عن الأعين ، فعبر عن إزالة النور عن جرم الشمس ، وغيبوبتها عن الأعين ب «التكوير » .

فلهذا قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما : تكويرها : إدخالها في العرش{[59424]} .

وقال الحسنُ : ذهاب ضوئها{[59425]} ، وهو قول مجاهدٍ وقتادة .

وروي عن ابن عباس أيضاً وسعيد بن جبير : غورت{[59426]} .

وقال الرًّبيعُ بنُ خيثمٍ : «كُوِّرتْ » : رمي بها .

ومنه كورته فتكور : أي : سقط .

قال الأصمعي : يقال : طعنه فكوَّره وحوره أي : صرعه .

فمعنى «كورت » : أي : ألقيت ورميت عن الفلك .

وعن أبي صالح : «كورت » نكست .

وقال ابن الخطيب{[59427]} : وروي عن عمر{[59428]} - رضي الله عنه - أن لفظة «كُوِّرتْ » مأخوذةٌ من الفارسية ، فإنه يقال للأعمى : كور{[59429]} .


[59423]:ينظر: الكشاف 4/707.
[59424]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (19/148) عن ابن عباس.
[59425]:أخرجه الطبري في "تفسيره " (12/457) عن قتادة.
[59426]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/525) وعزاه إلى ابن المنذر من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس. وذكره أيضا عن سعيد بن جبير وعزاه إلى ابن أبي حاتم.
[59427]:ينظر: الفخر الرازي 31/61.
[59428]:في أ: ابن عمر.
[59429]:ذكره الرازي في "تفسيره" (31/61) عن عمر.