التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{۞وَمِنۡهُم مَّنۡ عَٰهَدَ ٱللَّهَ لَئِنۡ ءَاتَىٰنَا مِن فَضۡلِهِۦ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (75)

قوله تعالى : { ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين 75 فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون 76 فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون 77 ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب } نزلت هذه الآية الكريمة في ثعلبة بن حاطب الأنصاري ؛ فقد روي أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : اعد الله أن يرزقني مالا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ويحك يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيق ) ثم قال ( ثعلبة ) مرة أخرى . فقال ( أما ترضى أن تكون مثل نبي الله ؟ فو نفسي بيده لو شئت أن تسير الجبال معي ذهبا وفضة لسارت ) قال : والذي بعضك بالحق لئن دعوت الله فرزقني مالا لأعطين كل ذي حق حقه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اللهم ارزق ثعلب ) فاتخذ غنما فنمت كما ينمي الدود ، فضاقت عليه المدينة فتنحى عنها فنزل واديا من أوديتها حتى جعل يصلي الظهر والعصر في جماعة ويترك ما سواهما . ثم نمت وكثرت فتنحى حتى ترك الصلوات إلا الجمعة وهي تنمي كما ينمي الدود حتى ترك الجمعة ، فطفق يتلقى الركبان يوم الجمعة ليسألهم عن الأخبار ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما فعل ثعلبة ؟ ) فقالوا : يا رسول الله اتخذ غنما فضاقت عليه المدينة فأخبروه بأمره . فقال : يا ويح ثعلبة . يا ويح ثعلبة ) وأنزل الله جل ثناؤه { خذ من أموالهم صدقة } الآية . ونزلت فرائض الصدقة ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين على الصدقة من المسلمين رجلا من جهينة ورجلا من سليم ، وكتب لهما كيف يأخذان الصدقة من المسلمين ، وقال لهما : ( مرا بثعلبة وبفلان –رجل من بني سليم- فخذا صدقاتهما ) فخرجا حتى أتيا ثعلبة فسألاه الصدقة وأقرآه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : ما هذه إلا جزية ، ما هذه إلا أهت الجزية ، ما أدري ما هذا ؟ انطلقا حتى تفرغا ثم عودا إلي . فانطلقا وسمع بهما السلمي فنظر إلى خيار أسنان إبله فعزلها للصدقة ثم استقبلهما بها ، فلما رأوه قالوا ، ما يجب عليك هذا ، وما نريد أن تأخذ هذا منك . فقال : بلى فخذوها فإن نفسي بذلك طيبة ، وإنما هي لله ، فأخذاها منه ومرا على الناس فأخذا الصدقات ، ثم رجعا إلى ثعلبة فقال : أروني كتابكما ، فقرأه ، فقال : ما هذه إلا جزية ، ما هذه إلا أخت الجزية ، انطلقا حتى أرى رأيي ، فانطلقا حتى أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآهما قال : ( يا ويح ثعلبة ) قبل أن يكلهما ودعا للسلمي بالبركة . فأخبراه بالذي صنع ثعلبة والذي صنع السلمي . فانزل الله عز وجل { ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن } الآية . وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أقارب ثعلبة فسمع ذلك ، فخرج حتى أتاه فقال : ويحك يا ثعلبة قد أنزل الله فيك كذا وكذا ، فخرج ثعلبة حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله ان يتقبل منه صدقته فقال : ( إن الله منعني أن أقبل منك صدقتك ) فجعل يحثو على رأسه التراب . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( هذا عملك ، قد أمرتك فلم تعطني ) فلما أبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبض صدقته رجع إلى منزله فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقته . فقال أبو بكر : لما يقبلها منك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر وأنا أقبلها منك ؟ فقبض ولم يقبلها . فلم ولي عثمان ( رضي الله عنه ) أتاه فقال : اقبل صدقتي . فقال : لم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ولا عمر وأنا اقبلها منك ؟ فلم يقبلها منه ، فهلك ثعلبة في خلافة عثمان{[1854]} .

وقوله : { ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين } أي ومن هؤلاء المنافقين من أعطى الله عهده وميثاقه لئن رزقه الله من رزقه الله بعمل أهل الصلاح من الإحسان وصلة الأرحام والبر والإنفاق في سبيل الله .


[1854]:تفسير ابن كثير جـ 2 ص 374 وأسباب للنيسابوري ص 171.