بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{۞وَمِنۡهُم مَّنۡ عَٰهَدَ ٱللَّهَ لَئِنۡ ءَاتَىٰنَا مِن فَضۡلِهِۦ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (75)

قوله تعالى :

{ وَمِنْهُمْ مَّنْ عاهد الله } ، قال في رواية الكلبي : نزلت الآية في شأن حاطب بن أبي بلتعة ، كان له مال بالشام فجهد بذلك جهداً شديداً فحلف بالله { لَئِنْ ءاتانا مِن فَضْلِهِ } ، يعني : المال الذي بالشام ، { لَنَصَّدَّقَنَّ } منه ولأؤدين حق الله تعالى منه ، فلم يفعل لمَّا أعطاه الله المال . قال مقاتل : نزلت في ثعلبة بن حاطب الأنصاري كان محتاجاً ، فقال : { لَئِنْ ءاتانا *** الله مِن فَضْلِهِ **لَنَصَّدَّقَنَّ ولنكونن من الصالحين } فابتلاه الله فرزقه ذلك ، وذلك أن مولى لعمر بن الخطاب قتل رجلاً من المنافقين خطأ ، فدفع النبي صلى الله عليه وسلم ديته إلى عصبته وهو ثعلبة ، فبخل ومنع حق الله تعالى .

قال الفقيه : حدثنا أبو الفضل بن أبي حفص قال : حدثنا أبو جعفر الطحاوي قال : حدثنا الربيع بن سليمان المرادي قال : حدثنا أسد بن موسى قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : حدثنا معاذ بن رفاعة ، عن عليّ بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة أن ثعلبة بن حاطب الأنصاري جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ادع الله لي أن يرزقني مالاً . فقال : « وَيْحَكَ يَا ثَعْلَبَةُ ، قَلِيلٌ تُؤَدِّي شُكْرَهُ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرٍ لا تُطِيقُهُ » . قال : ثم رجع إليه فقال : يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالاً ، فقال : « وَيْحَكَ يَا ثَعْلَبَةُ ، أمَا تَرْضَى أنْ تَكُونَ مِثْلِي ؟ وَالله لَوْ سَأَلْتُ الله تَعَالَى أنْ يُسِيلَ عَلَيَّ الْجِبَالَ ذَهَباً وَفِضَّةً . لَسَالَتْ » . ثم رجع إليه فقال : يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالاً ، فوالله لئن آتاني الله مالاً لأؤدين لكل ذي حق حقه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « اللَّهُمَّ ارْزُقْ ثَعْلَبَةَ مَالاً » . فاتَّخذ غنماً فنمت كما ينمو الدود ، حتى ضاقت بها أزقة المدينة فتنحى بها وكان يشهد الصلوات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يخرج إليها ثم نمت حتى تعذرت عليها مراعي المدينة فتنحى بها ، وكان يشهد الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم يخرج إليها ثم نمت ، فترك الجمعة والجماعات وجعل يتلقى الركبان ويقول : ماذا عندكم من الخير ؟ وما كان من أمر الناس ؟ فأنزل الله تعالى على رسوله : { خُذْ مِنْ أموالهم صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صلواتك سَكَنٌ لَّهُمْ والله سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [ التوبة : 103 ] فاستعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلين على الصدقات : رجلاً من الأنصار ، ورجلاً من بني سليم ، وكتب لهما كتاب الصدقة ، وأمرهما أن يصدقا الناس ، وأن يمرا بثعلبة فيأخذا منه صدقة ماله .

فأتيا ثعلبة وطلبا منه ، فقال : صدِّقا الناس ، فإذا فرغتما فمرا بي .

ففعلا ، فلما رجعا إليه وطلبا منه فأبى وقال : ما هذه إلا أخية الجزية . فانطلقا حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبراه فأنزل الله تعالى : { وَمِنْهُمْ مَّنْ عاهد الله لَئِنْ ءاتانا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصالحين * فَلَمَّا ءاتَاهُمْ مّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِى قُلُوبِهِمْ إلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ } .

فركب رجل من الأنصار هو ابن عم لثعلبة راحلته حتى أتى ثعلبة فقال : ويحك يا ثعلبة هلكت قد أنزل الله فيك من القرآن كذا وكذا : فأقبل ثعلبة بن حاطب وجعل على رأسه التراب وهو يبكي ويقول : يا رسول الله اقبض مني صدقة مالي . فلم يقبض منه صدقة حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أتى إلى أبي بكر فلم يقبل منه صدقته ؛ ثم أتى إلى عمر فلم يقبل صدقته ؛ ثم أتى إلى عثمان فلم يقبل صدقته ومات في خلافة عثمان ، فذلك قوله : { فَلَمَّا ءاتَاهُمْ }