غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{۞وَمِنۡهُم مَّنۡ عَٰهَدَ ٱللَّهَ لَئِنۡ ءَاتَىٰنَا مِن فَضۡلِهِۦ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (75)

70

ثم بين أن هؤلاء كما ينافقون الرسول والمؤمنين فكذلك ينافقون ربهم فيما يعاهدونه عليه فقال { ومنهم من عاهد الله } يروى عن أبي أمامة الباهلي أن ثعلبة بن حاطب الأنصاري قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ادع الله أن يرزقني مالاً فقال : ويحك يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه . ثم قال مرة أخرى فقال : أما ترضى أن تكون مثل نبي الله ، فوالذي نفسي بيده لو شئت أن تسير معي الجبال فضة وذهباً لسارت . فقال : والذي بعثك بالحق لئن دعوت الله أن يرزقني مالاً لأوتين كل ذي حق حقه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم ارزق ثعلبة مالاً . فاتخذ غنماً فنمت كما ينمو الدود فضاقت عليه المدينة فتنحى عنها ونزل وادياً من أوديتها حتى جعل يصلي الظهر والعصر في جماعة ويترك ما سواهما . ثم نمت وكثرت حتى ترك الصلوات إلا الجمعة ، وهي تنمو كما ينمو الدود حتى ترك الجمعة ، فسأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبره فقال : يا ويح ثعلبة ثلاثاً وأنزل الله عز وجل { خذ من أموالهم صدقة } [ التوبة : 103 ] فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين على الصدقة رجلاً من جهينة ورجلاً من بني سليم ، وكتب لهما كيف يأخذان الصدقة وقال لهما . مرا بثعلبة وبفلان رجل من بني سليم فخذا صدقاتهما . فخرجا حتى أتيا ثعلبة فسألاه الصدقة وأقرآه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما هذه إلا جزية ما هذه إلا أخت الجزية ما أدري ما هذا ، انطلقاً حتى تفرغا ثم تعودان إليّ . فانطلقا وأخبرا السلمي فنظر إلى خيار أسنان إبله فعزلها للصدقة ثم استقبلهم بها فلما رأوها قالوا : ما يجب هذا عليك وما نريد أن نأخذ هذا منك . قال : بلى خذوه فإن نفسي بها طيبة . فأخذوها منه ثم رجعا على ثعلبة فقال : أروني كتابكما ثم قال : ما هذه إلا أخت الجزية ، انطلقا حتى أرى رأيي . فانطلقا حتى أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآهما قال : يا ويح ثعلبة قبل أن يكلمهما ودعا للسلمي بالبركة ثم نزلت الآية وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أقارب ثعلبة ، فخرج إليه وقال : يا ويحك يا ثعلبة قد أنزل الله فيك كذا وكذا . فخرج ثعلبة حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله أن يقبل منه صدقته فقال : إن الله قد منعني أن أقبل منك صدقتك . فجعل يحثوا التراب على رأسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا عملك قد أمرتك فلم تطعني . فلما أبى أن يقبل منه شيئاً رجع إلى منزله وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقبل منه شيئاً ، ثم أتى أبا بكر حين استخلف فقال : قد علمت منزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم وموضعي من الأنصاري فاقبل صدقتي . فقال : لم يقبلها رسول الله وأنا أقبلها ؟ فقبض أبو بكر وأبى أن يقبلها ، ثم جاء بها إلى عمر في خلافته فلم يقبلها في خلافة عثمان ولم يقبل صدقته واحد من الخلفاء اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم . وأقول وما ذاك إلا بشؤم اللجاج أولاً وآخراً . قال بعض العلماء : المعاهدة أعم من أن تكون باللسان أو بالقلب . وقال المحققون . إنه لا بد من التلفظ بها لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال : «إن الله عفا عن أمتي ما حدثت به نفوسهم ولم يتلفظوا به » ولأن قوله عز من قائل { ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدّقن } ظاهره مشعر بالقول اللساني . والمراد بالفضل إيتاء المال بطريق التجارة أو الاستغنام ونحوهما . وأصل { لنصدقن } لنتصدقن أدغمت التاء في الصاد . والمصدق المعطي لا السائل كقوله تعالى { وتصدق علينا أن الله يجزي المتصدقين } [ يوسف : 88 ] ومعنى قوله { ولنكونن من الصالحين } عن ابن عباس أنه أراد الحج . ولعل المراد إخراج كل ما يجب إخراجه إذ لا دليل على التقييد .