البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{۞وَمِنۡهُم مَّنۡ عَٰهَدَ ٱللَّهَ لَئِنۡ ءَاتَىٰنَا مِن فَضۡلِهِۦ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ} (75)

{ ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصَّدقنّ ولنكوننّ من الصالحين .

فما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون .

فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون .

ألم يعلموا أن الله يعلم سرّهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب } : قال الضحاك : هم نبتل بن الحرث ، وجد بن قيس ، ومعتب بن قشير ، وثعلبة بن حاطب ، وفيهم نزلت الآية .

وقال الحسن ومجاهد : في معتب وثعلبة خرجا على ملأ فقالا ذلك .

وقال ابن السائب : في رجل من بني عمرو بن عوف كان له مال بالشام فأبطأ عنه ، فجهد لذلك جهداً شديداً ، فحلف بالله لئن آتانا من فضله أي من ذلك المال لأصدقن منه ولأصلن ، فآتاه فلم يفعل .

والأكثر على أنها نزلت في ثعلبة ، وذكروا له حديثاً طويلاً وقد لخصت منه : أنه سأل الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله أن يرزقه مالاً فقيل له : قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه ، فألح عليه ، فدعا الله ، فاتخذ غنماً كثرت حتى ضاقت عنها المدينة ، فنزل وادياً وما زالت تنمو ، واشتغل بها حتى ترك الصلوات ، وبعث إليه الرسول صلى الله عليه وسلم المصدق فقال : ما هذه إلا جزية ، ما هذه إلا أخت الجزية ، فنزلت هذه الآية .

فأخبره قريب له بها ، فجاء بصدقته إلى الرسول فلم يقبلها ، فلما قبض الرسول أتى أبا بكر فلم يقبلها ، ثم عمر فلم يقبلها ، ثم عثمان فلم يقبلها ، وهلك في أيام عثمان .

وقرأ الأعمش : لنصدقنّ ولنكوننّ بالنون الخفيفة فيهما ، والظاهر والمستفيض من أسباب النزول أنهم نطقوا بذلك ولفظوا به .

وقال معبد بن ثابت وفرقة : لم يتلفظوا به ، وإنما هو شيء نووه في أنفسهم ولم يتكلموا به ، ألم تسمع إلى قوله : { ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم } «من الصالحين » : أي من أهل الصلاح في أموالهم بصلة الرحم والإنفاق في الخير والحج وأعمال البر .