روى القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أُمامة الباهلي قال : " جاء ثعلبة بن حاطب الأنصاري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يارسول الله ادع الله أن يرزقني مالا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ويحك يا ثعلبة قليل تؤدّي شكره خير من كثير لا تطيقه " ثم أتاه بعد ذلك . فقال : يارسول الله أدع الله أن يرزقني مالا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } [ الأحزاب : 21 ] ، والذي نفسي بيده لو أردت أن تصير الجبال معي ذهباً وفضة لصارت " ثم أتاه بعد ذلك فقال : يارسول الله ادع الله أن يرزقني مالاً ، والذي بعثك بالحق لئن رزقني الله مالاً لأعطينّ كلّ ذي حق حقه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اللهم ارزق ثعلبة مالاً " . قال : فاتخذ غنماً فنمت كما ينمو الدود فضاقت عليه المدينة فتنحى عنها ، فنزل وادياً من أوديتها وهي تنمو كما تنمو الدود ، وكان يصلّي مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر ، ويصلّي في غنمه ساير الصلوات ، ثم كثرت ونمت حتى تباعد عن المدينة فصار لا يشهد إلا الجمعة ، ثم كثرت ونمت فتباعد حتى كان لايشهد جمعة ولا جماعة ، فكان إذا كان يوم الجمعة يمر على الناس يسألهم عن الأخبار ، فذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأل ذات يوم فقال : مافعل ثعلبة ؟ قالوا يا رسول الله اتخذ ثعلبة غنماً مايسعها واد .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا ويح ثعلبة ، ياويح ثعلبة ، ياويح ثعلبة " وأنزل الله تعالى آية الصدقة فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من بني سليم ورجل من جهينة وكتب لهما إتيان الصدقة وكيف يأخذان وقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مُرّا بثعلبة بن حاطب ورجل من بني سليم فخذا صدقاتهما " .
فخرجا حتى أتيا ثعلبة فسألاه الصدقة وقرءا له كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما هذه إلا جزية ، ما هذه إلا أُخت الجزية ، انطلقا حتى تفرغا ثم عودا إليّ ، فانطلقا وسمع بهما السلمي فنظر إلى خيار أسنان ابله ، فعزلها للصدقة ثم استقبلهما بها فلمّا زادها قالا : ما هذا عليك ، قال : خذاه فإن نفسي بذلك طيبة ، فمرّا على الناس وأخذا الصدقات ، ثم رجعا إلى ثعلبة فقال : أروني كتابكما فقرأه ثم قال : ما هذه إلا جزية ، ما هذه الا أُخت الجزية ، إذهبا حتى أرى رأيي ، قال : فأقبلا فلمّا رآهما رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يتكلّما قال : " ياويح ثعلبة ، ياويح ثعلبة ، ياويح ثعلبة " ثم دعا للسلمي بخير فأخبراه بالذي صنع ثعلبة ، فأنزل الله فيه { وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ } إلى قوله { وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ } وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أقارب ثعلبة فسمع قوله فخرج حتى أتاه فقال : ويحك ياثعلبة قد أنزل الله عز وجل فيك كذا وكذا ، فخرج ثعلبة حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله أن يقبل منه الصدقة .
فقال : " إن الله تعالى منعني أن أقبل منك صدقتك " فجعل يحثي على رأسه التراب ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذا عملك قد أمرتك فلم تطعني " فلما نهى أن يُقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع إلى منزله وقُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقبض ولم يقبل منه شيئاً "
ثم أتى أبا بكر رضي الله عنه حين استخلف فقال : قد علمت منزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم موضعي من الأنصار فاقبل صدقتي ، فقال أبو بكر : لم يقبلها منك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقبلها ؟ فلم يقبل ، وقُبض أبو بكر فلم يقبلها ، فلمّا ولي عمر رضي الله عنه أتاه فقال : يا أمير المؤمنين اقبل صدقتي ، فقال : لم يقبلها منك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر ، أنا لا أقبلها ، فقُبض عمر ولم يقبلها ، ثم ولي عثمان فأتاه فسأله أن يقبل صدقته فقال : لم يقبلها منك رسول الله ولا أبو بكر ولا عمر ، أنا لا أقبلها منك ، فلم يقبلها منه وهلك في خلافة عثمان .
وقال ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة : أتى ثعلبة مجلساً من الأنصار فأشهدهم فقال : لئن آتاني الله من فضله أتيت منه كل ذي حق حقه ، تصدّقت منه ، ووصلت القرابة ، فمات ابن عم له فورثه مالاً فلم يوف بما قال ، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية .
وقال مقاتل : مرّ ثعلبة على الأنصار وهو محتاج ، فقال : لئن آتاني الله من فضله لأصّدقن ولأكوننّ من الصالحين فآتاه الله من فضله وذلك أن مولى لعمر بن الخطاب قتل رجلاً من المنافقين خطأً فدفع النبي صلى الله عليه وسلم ديته إلى ثعلبة ، وكان قرابة المقتول فبخل ومنع حق الله فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية .
وقال الحسن ومجاهد : نزلت هذه الآية في ثعلبة بن حاطب ومعتب بن قشيو وهما رجلان من بني عمرو بن عوف خرجا على ملأ قعود فقالا : والله لئن رزقنا الله لنصّدقنّ ، فلمّا رزقهما الله تعالى بخلا .
وقال الضحاك : نزلت في رجال من المنافقين [ نبتل ] بن الحرث وجدّ بن قيس وثعلبة بن حاطب ، ومعتب بن قشير قالوا : لئن آتانا الله من فضله لنصّدقنّ ، فلمّا آتاهم الله من فضله وبسط لهم الدنيا بخلوا به ومنعوا الزكاة .
وقال الكلبي : نزلت في حاطب بن أبي بلتعة ، كان له مال بالشام فجهد لذلك جهداً شديداً فحلف بالله : لئن آتانا الله من فضله من رزقه يعني المال الذي بالشام لأصدّقن منه ولأصلنّ ولآتين حق الله منه ، فآتاه الله ذلك المال فلم يفعل ما قال ، فأنزل الله عزّ وجلّ { وَمِنْهُمْ } يعني من المنافقين { مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ } ولنوفّينّ حق الله منه { وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ } أي نعمل ما يعمل أهل الصلاح بأموالهم من صلة الرحم والنفقة في الخير
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.