التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَۚ وَمَا تُقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُم مِّنۡ خَيۡرٖ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (110)

قوله تعالى : { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } أريد به الأمر بالثبات على الإسلام فإن الصلاة والزكاة ركناه فالأمر بهما يستلزم الأمر بالدوام على ما أنتم عليه على طريق الكناية .

وقوله : { وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله } مناسب للأمر بالثبات على الإسلام وللأمر بالعفو والصفح . وفيه تعريض باليهود بأنهم لا يقدرون قدر عفوكم وصفحكم ولكنه لا يضيع عند الله ولذلك اقتصر على قوله : { عند الله } قال الحطيئة :

من يفعل الخير لا يعدم جوائزه *** لا يذهب العرف بين الله والناس

وقوله تعالى : { إن الله بما تعملون بصير } تذييل لما قبله . والبصير العليم كما تقدم ، وهو كناية عن عدم إضاعة جزاء المحسن والمسيء لأن العليم القدير إذا علم شيئاً فهو يرتب عليه ما يناسبه إذ لا يذهله جهل ولا يعوزه عجز ، وفي هذا وعد لهم يتضمن وعيداً لغيرهم لأنه إذا كان بصيراً بما يعمل المسلمون كان بصيراً بما يعمل غيرهم .