التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَۚ وَمَا تُقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُم مِّنۡ خَيۡرٖ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (110)

قوله : { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله } هذان ركنان عظيمان من أركان هذا الدين تنبه إليهما الآية الكريم وهما : أن تقام الصلاة خير قيام من تمام التنفيذ وكمال الأداء حتى تكتمل فيها الصورة وافية من التكبير والقراءة والقيام والركوع والسجود والقعود ، وحتى يتحقق فيها الوعي والمضمون من خشوع وطمأنينة وإحساس تام بالخضوع والانقياد والتذلل لله وحده .

وكذلك أن تؤدى الزكاة ، يدفعها من يملك المال والنصاب إلى الذين يستحقونها من متكففين وعالة وذوي عوز وغير ذلك من وجوه مبينة مشروعة تؤدى فيها الزكاة ، وهاتان الفريضتان تتقدمان فرائض الإسلام ، وتحتلان مكان الصدارة من حيث الأهمية ، وهما يأتيان في طليعة الأعمال الكريمة التي سيجدها العامل أمامه بعد الموت . وسوف لا يجد إذ ذاك غير ما قدمه من خير الأعمال والأقوال والنوايا ، وما عدا ذلك من شؤون الدنيا ليس إلا متاعا تتلذذ به النفس حال الحياة حتى إذا جاء الأجل المحتوم ، باتت هذه المخلفات والرواسب التي يستمتع به الوارثون .

وجاء في الحديث أن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) قال : " أيكم مال وارثة أحب إليه من ماله ؟ " قالوا : يا رسول الله ما منا من أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثة . قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " ليس منكم من أحد إلا مال وارثة أحب إليه من ماله ، مالك ما قدمت ومال وارتك ما أخرت " .

وجاء في حديث آخر : " إن العبد إذا مات قال الناس : ما خلّف ، وقالت الملائكة : ما قدم " وهكذا يجد المرء ما قدمت يداه في دنياه من صالح القول والعمل ، يجد ذلك كله محتسبا له عند ربه من غير نسيان . والله سبحانه عالم بما صدر عن كل إنسان ، فلا تخفى عليه خافية ، ولا يغيب عن ملكوته من مثقال ذرة { إن الله بما تعملون بصير } {[113]} .


[113]:- تفسير القرطبي جـ 2 ص 69، 70 والكشاف جـ 1 ص 304 وتفسير النسفي جـ 1 ص 67، 68.