الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَۚ وَمَا تُقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُم مِّنۡ خَيۡرٖ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (110)

قوله تعالى : { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } تقدم . والحمد لله تعالى . { وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله } جاء في الحديث " أن العبد إذا مات قال الناس ما خلف وقالت الملائكة ما قدم " . وخرج البخاري والنسائي عن عبدالله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله " . قالوا : يا رسول الله ، ما منا من أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس منكم من أحد إلا مال وارثه أحب إليه من ماله . مالك ما قدمت ومال وارثك ما أخرت ) ، لفظ النسائي . ولفظ البخاري : قال عبدالله : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله " قالوا : يا رسول الله ، ما منا أحد إلا ماله أحب إليه ، قال : " فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر " . وجاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه مر ببقيع الغرقد{[1083]} فقال : السلام عليكم أهل القبور ، أخبار ما عندنا أن نساءكم قد تزوجن ، ودوركم قد سكنت ، وأموالكم قد قسمت . فأجابه هاتف : يا ابن الخطاب أخبار ما عندنا أن ما قدمناه وجدناه ، وما أنفقناه فقد ربحناه ، وما خلفناه فقد خسرناه .

ولقد أحسن القائل : قدم لنفسك قبل موتك صالحا *** واعمل فليس إلى الخلود سبيل

وقال آخر : قدم لنفسك توبة مرجوة *** قبل الممات وقبل حبس الألسن

وقال آخر : ولدتك إذ ولدتك أمك باكيا *** والقوم حولك يضحكون سرورا

فاعمل ليوم تكون فيه إذا بكوا *** في يوم موتك ضاحكا مسرورا

وقال آخر : سابق إلى الخير وبادر به *** فإنما خلفك ما تعلم

وقدم الخير فكل امرئ *** على الذي قدمه يقد

وأحسن من هذا كله قول أبي العتاهية :

إسعد بمالك في حياتك *** إنما يبقى وراءك مصلح أو مفسدُ

وإذا تركت لمفسد لم يبقه *** وأخو الصلاح قليله يتزيَّدُ

وإن استطعت فكن لنفسك وارثا *** إن المورث نفسه لمسدد

{ إن الله بما تعملون بصير } تقدم{[1084]} .


[1083]:بقيع الغرقد: مقبرة أهل المدينة.
[1084]:يراجع ص 35 من هذا الجزء.