لما أمرنا بالعفو والصفح عن اليهود عقبه بقوله تعالى : { وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ } تنبيهاً لهما على ما أعد لهما من الواجبات وقوله بعده :
{ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَِنفُسِكُم منْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ } [ المزمل : 20 ] . الأظهر أن المراد به التطوّعات من الصلوات والزكوات ، وبيّن تَعَالى أنهم يجدونه ، وليس المراد أنهم يجدون عين تلك الأعمال ؛ لأنها لا تبقى ، ولأن وِجْدَان عين تلك الأشياء ، ولا يرغب فيه ، فبقي أن المراد وِجْدَان ثوابه وجزائه .
قوله تعالى : { وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم منْ خَيْرٍ } كقوله : { مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ } .
فيجوز في " ما " أن تكون مفعولاً بها ، وأن تكون واقعةً موقع المصدر ، ويجوز في " مِنْ خَيْرٍ " الأربعة أوجه التي في " من آيَةٍ " : من كونه مفعولاً به ، أو حالاً ، أو تمييزاً ، أو متعلّقاً بمحذوف .
و " مِنْ " تبعيضية ، وقد تقدم تحقيقها ، فليراجع ثَمَّة .
و " لأَنفُسِكُم " متعلّق ب " تقدمُّوا " ، أي : لحياة أنفسكم ، وحذف ، و " تجدوه " جواب الشرط ، وهي متعدّية لواحد ؛ لأنها بمعنى الإصابة ، ومصدرها الوِجْدَان بكسر الواو كما تقدم ، ولا بد من حذف مضاف أي : تجدوا ثوابه ، وقد جعل الزمخشري رحمه الله تعالى الهاء عائدة على " ما " ، وهو يريد ذلك ؛ لأنَّ الخير المتقدم سبب منقض لا يوجد ، إنما يوجد ثوابه .
جاء في الحديث أن العبد إذا مات قال الناس : مَا خَلَّفَ ؟ وقالت الملائكة عليهم السلام : ما قَدَّمَ ؟
وجاء عن عُمَرَ رضي الله تعالى عَنْهُ أنه مَرَّ ببقيع " الغَرْقَد " فقال : السلامُ عليكمُ يا أهل القبور ، أخبارُنَا عنْدَنا أنَّ نِسَاءكم قد تزوَّجْن ، ودُروكُم قد سُكِنَتْ ، وأموالكم قد قُسِّمَتْ ، فأجابه هاتفٌ : يا ابن الخطاب ، أخبارُ ما عندنا أنَّ ما قدَّمْنَاه وجَدْنَاه ، وما أنفقْنَاه فقد ربِحْنَاه ، وما خلَّفناه فقد خَسِرْناه{[1728]} ؛ وقد أحسن القائلُ حيثُ قال : [ الكامل ]
735- قَدِّمْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ مَوْتِكَ صَالِحاً *** وَاعْمَلْ فَلَيْسَ إلى الخُلُودِ سَبِيلُ{[1729]}
736- قَدِّمْ لِنَفْسِكَ تَوْبَةً مَرْجُوَّةً *** قَبْلَ المَمَاتِ وَقَبْلَ حَبْسِ الأَلْسُنِ{[1730]}
737- وَقَدِّمِ الخَيْرَ فَكُلُّ امْرِئ *** عَلَى الَّذِي قَدَّمَهُ يَقْدَمُ{[1731]} ]{[1732]}
قوله : " عِنْدَ اللهِ " يجوز فيه وجهان :
أحدهما : أنه متعلّق ب " تَجِدُوهُ " .
والثاني : أنه متعلّق بمحذوف على أنه حال من المفعول أي : تجدوا ثوابه مدّخراً معدّاً عند الله تعالى ، والظَّرفية هنا مجاز نحو : " لك عند فلان يد " .
قوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } أي : لا يخفى عليه القليل ولا الكثير من الأعمال فهو ترغيب وتحذير .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.