التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنۡهَا مَن لَّا يُؤۡمِنُ بِهَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ فَتَرۡدَىٰ} (16)

صيغ نهي موسى عن الصدّ عنها في صيغة نهي من لا يؤمن بالساعة عن أن يصدّ موسى عن الإيمان بها ، مبالغة في نهي موسى عن أدنى شيء يحول بينه وبين الإيمان بالساعة ، لأنه لما وجّه الكلام إليه وكان النّهي نهي غير المؤمن عن أن يصدّ موسى ، عُلم أنّ المراد نهي موسى عن ملابسة صدّ الكافر عن الإيمان بالساعة ، أي لا تكن ليّن الشكيمة لمن يصدك ولا تُصْغ إليه فيكون لينك له مجرئاً إياه على أن يصدك ، فوقع النهي عن المسبب .

والمراد النهي عن السبب ، وهذا الأسلوب من قبيل قولهم : لا أعرفنّك تفعل كذا ولا أرَينّك ههنا .

وزيادة { واتَّبَعَ هَواه } للإيماء بالصلة إلى تعليل الصدّ ، أي لا داعي لهم للصدّ عن الإيمان بالساعة إلا اتّباع الهوى دون دليل ولا شبهة ، بل الدليل يقتضي الإيمان بالساعة كما أشار إليه قوله { لِتُجزى كلُّ نفسسٍ بما تَسعى } .

وفرع على النهي أنّه إن صُدّ عن الإيمان بالساعة رَدِيَ ، أي هلك . والهلاك مستعار لأسْوأ الحال كما في قوله تعالى : { يهلكون أنفسهم } في سورة براءة ( 42 ) .

والتفريع ناشىء عن ارتكاب المنهِي لا على النهي ، ولذلك جيء بالتفريع بالفاء ولم يقع بالجزاء المجزوم ، فلم يقل : تَرْدَ ، لعدم صحة حلول ( إنْ ) مع ( لا ) عوضاً عن الجزاء ، وذلك ضابط صحة جزم الجزاء بعد النّهي .

وقد جاء خطاب الله تعالى لموسى عليه السلام بطريقة الاستدلال على كلّ حكممٍ ، وأمرٍ أو نهي ، فابتدىء بالإعلام بأنّ الذي يُكلمه هو الله ، وأنه لا إله إلاّ هو ، ثمّ فرع عليه الأمر في قوله فاعْبُدني وأقِمِ الصلاة لِذِكري } ، ثم عقب بإثبات الساعة ، وعلل بأنها لتجزى كلّ نفس بما تسعى ، ثم فرع عليه النهي عن أن يصده عنها من لا يؤمن بها . ثم فرع على النهي أنه إن ارتكب ما نهي عنه هلك وخسر .