إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنۡهَا مَن لَّا يُؤۡمِنُ بِهَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ فَتَرۡدَىٰ} (16)

{ فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا } أي عن ذكر الساعةِ ومراقبتِها ، وقيل : عن تصديقها والأولُ هو الأليقُ بشأن موسى عليه الصلاة والسلام وإن كان النهيُ بطريق التهييجِ والإلهاب ، وتقديمُ الجارِّ والمجرور على قوله تعالى : { مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا } لما مر مراراً من الاهتمام بالمقدّم والتشويقِ إلى المؤخّر فإن ما حقُّه التقديمُ إذا أُخّر تبقى النفسُ مستشرِفةً له فيتمكن عند ورودِه لها فضلُ تمكّنٍ ، ولأن في المؤخر نوعَ طولٍ ربما يُخِلُّ تقديمُه بجزاله النظمِ الكريم ، وهذا وإن كان بحسب الظاهر نهياً للكافر عن صد موسى عليه الصلاة والسلام عن الساعة لكنه في الحقيقة نهيٌ له عليه الصلاة والسلام عن الانصداد عنها على أبلغ وجهٍ وآكَدِه ، فإن النهيَ عن أسباب الشيءِ ومباديه المؤديةِ إليه نهيٌ عنه بالطريق البرهاني وإبطالٌ للسببية من أصلها كما في قوله تعالى : { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ } الخ ، فإن صدَّ الكافر حيث كان سبباً لانصداده عليه الصلاة والسلام كان النهيُ عنه نهياً بأصله وموجِبه وإبطالاً له بالكلية ، ويجوز أن يكون من باب النهي عن المسبَّب وإرادةِ النهي عن السبب على أن يراد نهيُه عليه الصلاة والسلام عن إظهار لينِ الجانبِ للكفرة ، فإن ذلك سببٌ لصدّهم إياه عليه الصلاة والسلام كما في قوله : لا أُرَينّك هاهنا ، فإن المراد به نهيُ المخاطب عن الحضور لديه الموجبِ لرؤيته { واتبع هَوَاهُ } أي ما تهواه نفسه من اللذات الحسية الفانية { فتردى } أي فتهلِكَ فإن الإغفالَ عنها وعن تحصيل ما ينجِّي عن أهوالها مستتبِعٌ للهلاك لا محالة ، وهو في محل النصبِ على جواب النهي أو في محلّ الرفعِ على أنه خبرُ مبتدأ محذوفٍ أي فأنت تردى .