السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنۡهَا مَن لَّا يُؤۡمِنُ بِهَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ فَتَرۡدَىٰ} (16)

أي فما أن يتنفس قرنه وقوله تعالى : { لتجزى كل نفس بما تسعى } أي : تعمل من خير أو شرّ متعلق بآتية ، واختلف في المخاطب بقوله تعالى : { فلا يصدّنك } أي : يصرفنك { عنها من لا يؤمن بها } فقيل : وهو الأقرب كما قاله الرازي أنه موسى عليه السلام لأنّ الكلام أجمع خطاب له ، وقيل : هو محمد صلى الله عليه وسلم واختلف أيضاً في عود هذين الضميرين على وجهين :

أحدهما : قال أبو مسلم { لا يصدّنك عنها } أي : عن الصلاة التي أمرتك بها { من لا يؤمن بها } أي : بالساعة فالضمير الأوّل عائد إلى الصلاة والثاني إلى الساعة ومثل هذا جائز في اللغة فالعرب تلف الخبرين ثم ترمي بجوابهما جملة ليردّ السامع إلى كل خبر حقه .

ثانيهما : قال ابن عباس : { فلا يصدنك } عن الساعة أي : عن الإيمان بها { من لا يؤمن بها } فالضميران عائدان إلى يوم القيامة وهذا أولى لأن الضمير يعود إلى أقرب المذكورات وهاهنا الأقرب هو الساعة وما قاله أبو مسلم إنما يصار إليه عند الضرورة ولا ضرورة هاهنا .

تنبيه : المقصود من ذلك نهى موسى عليه السلام عن التكذيب بالبعث ولكن ظاهر اللفظ يقتضي نهي من لم يؤمن عن صدّ موسى وفيه وجهان :

أحدهما : أنّ صدّ الكافر عن التصديق بها سبب للتكذيب فذكر السبب ليدل على حمله على المسبب .

الثاني : أنّ صدّ الكافر مسبب عن رخاوة الرجل في الدين فذكر المسبب ليدل على السبب كقولهم لا أرينك هاهنا المراد نهي المخاطب عن حضوره له لا أن يراه هو فالرؤية مسببة عن الحضور كما أنّ صدّ الكافر مسبب عن الرخاوة والضعف في الدين فقيل : لا تكن رخواً بل كن شديداً صلباً حتى لا يلوح منك لمن يكفر بالبعث أنه يطمع في صدك عما أنت عليه { واتبع هواه } أي : ميل نفسه إلى اللذات المحبوبة المخدجة لقصر نظره عن غيرها وخالف أمر الله { فتردى } أي : فتهلك إن انصددت عنها .