قوله : { فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا } من لا يؤمن هو المنهي صورة ، والمراد غيره ، فهو من باب : لا أريَنَّك هَهُنَا{[23577]} . وقيل : إن صدَّ الكافرِين{[23578]} عن التصديق بها سبب للتكذيب ، فذكر السبب ليدل على المسبب{[23579]} . والضميران في " عَنْهَا " و " بِهَا " للسَّاعة{[23580]} قاله ابن عباس{[23581]} : وذلك أنه يجب عود الضمير إلى أقرب مذكور وهو هنا الساعة{[23582]} . وقيل : للصلاة{[23583]} .
وقال أبو مسلم : الضمير في ( عَنْهَا ) للصَّلاة ، وفي ( بِهَا ) للسَّاعة ، قال : وهذا جائز في اللغة{[23584]} ، فالعرب{[23585]} تلف الخبرين ثم{[23586]} ترمي بجوابهما جملة ليرد السامع إلى كل خبر{[23587]} حقه{[23588]} .
وأجيب{[23589]} بأنَّ هذا إنما يصار إليه عند الضرورة ولا ضرورة ( ههنا{[23590]} ){[23591]} .
قوله{[23592]} : { فَتَرْدَى } يجوز فيه أن ينتصب في جواب النهي بإضمار ( أَنْ{[23593]} ) وأن يرتفع{[23594]} على خبر ابتداء مضمر تقديره : فَأَنْتَ تَرْدَى{[23595]} .
وقرأ يحيى : " تَرْدَى " بكسر التاء{[23596]} ، وقد تقدم أنها لغة والرَّدَى الهلاك يقال : رَدِيَ يَرْدَى رَدّى{[23597]} ، قال دُرَيْد ( بن الصمة ){[23598]} {[23599]} :
تَنَادَوْا فَقَالُوا أَرْدَتِ الخَيْلُ فَارِسَاً *** فَقُلْتُ أَعْبُدَ{[23600]} اللهِ ذَلِكُمُ الرَّدِي{[23601]}
فصل{[23602]}
الخطابُ في قوله : { فَلاَ يَصُدَّنَّكَ } يحتمل أن يكون مع موسى ، وأن يكون مع محمد - عليهما السلام-{[23603]} . والأقرب أنه مع موسى - عليه السلام{[23604]}- ، لأنَّ جميع الكلام خطاب له . وعلى كلا{[23605]} الوجهين فلا معنى لقول الزجاج : إنَّه ليس بمراد وإنما أريد{[23606]} به غيره ، وذلك{[23607]} لأنه ظن أن النبيَّ - عليه السلام-{[23608]} لما لم يجز عليه مع النُّبَوَّة أن يصده{[23609]} أحد عن الإيمان بالساعة لم يجز أن يكون مخاطباً بذلك{[23610]} ، وليس الأمر كما ظن ، لأنه إذا كانَ مكلَّفاً بأنْ لا يقبلَ الكفر بالساعة من أحد وكان قادراً على ذلك جاز أن يخاطب به ، ( ويكون المراد ){[23611]} هو وغيره . ويحتمل أيضاً أن يكون المراد بقوله : { فَلا{[23612]} يَصُدنَّكَ عَنْهَا } النهي عن الميل إليهم ومقاربتهم .
فصل{[23613]}
المقصودُ نَهْيُ موسى - عليه السلام{[23614]}- عن التكذيب بالبعث ، ولكن الظاهر اللفظ يقتضي نهيَ{[23615]} منْ لم يؤمن عن صدِّ موسَى- عليه السلام{[23616]}- وفيه وجهان :
أحدهما : أن صدَّ الكافر عن التصديق بها{[23617]} سببٌ للتكذيب ، فذكر السبب ليدل على المسبب . ( ذلك أن صد الكافر مسبب عن رخاوة الرَّجُل في الدِّين ، فذكر المسبب ليدل حمله على السبب ){[23618]} كقولهم{[23619]} : لاَ أضرَيَنَّكَ هَهُنَا .
المراد نهيه عن مشاهدته والكون بحضرته فهكذا ههنا ، كأنه قيل : لا تكن رخواً بل{[23620]} كن في الدين شديداً .
فصل{[23621]}
دلَّت الآية على وجوب تعلم علم{[23622]} الأصول ، لأن قوله : { فَلاَ يَصُدَّنَّكَ } يرجع معناه إلى صلابته في الدين ، وتلك الصلابة إن كان المراد بها{[23623]} التقليد لم يتميز المبطل فيه عن المحق ، فلا بد وأن يكون المراد بهذه الصلابة كونه قوياً في تقرير الدلائل ، وإزالة الشبهات حتى لا يتمكن الخصم{[23624]} من إزالته عن الدين بل يكون هو متمكناً من إزالة المبطل عن بطلانِهِ .
قوله : { فَلاَ يَصُدَّنَّكَ } يدل على أن العبادَ هُمُ الذين يصدون{[23627]} ، ولو كان تعالى هو الخالق لأفعالهم لكان هو الصَّاد دونهم ، فدل ذلك على بطلان القول بالجبر{[23628]} . وأجيب بالمعارضة بمسألة{[23629]} العلم ( والداعي ){[23630]} {[23631]} . ثم{[23632]} قال تعالى : " واتَّبَعَ هَوَاهُ " والمعنى أن منكر البعث إنَّما أنكره اتباعاً للهوى لا للدليل ، وهذا من أعظم الدلائل على فساد التقليد{[23633]} ، لأن المقلّد متبعٌ للهوى ( لا للحجة ){[23634]} {[23635]} ثم قال : " فَتَرْدَى " أي : فتهلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.