اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنۡهَا مَن لَّا يُؤۡمِنُ بِهَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ فَتَرۡدَىٰ} (16)

قوله : { فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا } من لا يؤمن هو المنهي صورة ، والمراد غيره ، فهو من باب : لا أريَنَّك هَهُنَا{[23577]} . وقيل : إن صدَّ الكافرِين{[23578]} عن التصديق بها سبب للتكذيب ، فذكر السبب ليدل على المسبب{[23579]} . والضميران في " عَنْهَا " و " بِهَا " للسَّاعة{[23580]} قاله ابن عباس{[23581]} : وذلك أنه يجب عود الضمير إلى أقرب مذكور وهو هنا الساعة{[23582]} . وقيل : للصلاة{[23583]} .

وقال أبو مسلم : الضمير في ( عَنْهَا ) للصَّلاة ، وفي ( بِهَا ) للسَّاعة ، قال : وهذا جائز في اللغة{[23584]} ، فالعرب{[23585]} تلف الخبرين ثم{[23586]} ترمي بجوابهما جملة ليرد السامع إلى كل خبر{[23587]} حقه{[23588]} .

وأجيب{[23589]} بأنَّ هذا إنما يصار إليه عند الضرورة ولا ضرورة ( ههنا{[23590]} ){[23591]} .

قوله{[23592]} : { فَتَرْدَى } يجوز فيه أن ينتصب في جواب النهي بإضمار ( أَنْ{[23593]} ) وأن يرتفع{[23594]} على خبر ابتداء مضمر تقديره : فَأَنْتَ تَرْدَى{[23595]} .

وقرأ يحيى : " تَرْدَى " بكسر التاء{[23596]} ، وقد تقدم أنها لغة والرَّدَى الهلاك يقال : رَدِيَ يَرْدَى رَدّى{[23597]} ، قال دُرَيْد ( بن الصمة ){[23598]} {[23599]} :

تَنَادَوْا فَقَالُوا أَرْدَتِ الخَيْلُ فَارِسَاً *** فَقُلْتُ أَعْبُدَ{[23600]} اللهِ ذَلِكُمُ الرَّدِي{[23601]}

فصل{[23602]}

الخطابُ في قوله : { فَلاَ يَصُدَّنَّكَ } يحتمل أن يكون مع موسى ، وأن يكون مع محمد - عليهما السلام-{[23603]} . والأقرب أنه مع موسى - عليه السلام{[23604]}- ، لأنَّ جميع الكلام خطاب له . وعلى كلا{[23605]} الوجهين فلا معنى لقول الزجاج : إنَّه ليس بمراد وإنما أريد{[23606]} به غيره ، وذلك{[23607]} لأنه ظن أن النبيَّ - عليه السلام-{[23608]} لما لم يجز عليه مع النُّبَوَّة أن يصده{[23609]} أحد عن الإيمان بالساعة لم يجز أن يكون مخاطباً بذلك{[23610]} ، وليس الأمر كما ظن ، لأنه إذا كانَ مكلَّفاً بأنْ لا يقبلَ الكفر بالساعة من أحد وكان قادراً على ذلك جاز أن يخاطب به ، ( ويكون المراد ){[23611]} هو وغيره . ويحتمل أيضاً أن يكون المراد بقوله : { فَلا{[23612]} يَصُدنَّكَ عَنْهَا } النهي عن الميل إليهم ومقاربتهم .

فصل{[23613]}

المقصودُ نَهْيُ موسى - عليه السلام{[23614]}- عن التكذيب بالبعث ، ولكن الظاهر اللفظ يقتضي نهيَ{[23615]} منْ لم يؤمن عن صدِّ موسَى- عليه السلام{[23616]}- وفيه وجهان :

أحدهما : أن صدَّ الكافر عن التصديق بها{[23617]} سببٌ للتكذيب ، فذكر السبب ليدل على المسبب . ( ذلك أن صد الكافر مسبب عن رخاوة الرَّجُل في الدِّين ، فذكر المسبب ليدل حمله على السبب ){[23618]} كقولهم{[23619]} : لاَ أضرَيَنَّكَ هَهُنَا .

المراد نهيه عن مشاهدته والكون بحضرته فهكذا ههنا ، كأنه قيل : لا تكن رخواً بل{[23620]} كن في الدين شديداً .

فصل{[23621]}

دلَّت الآية على وجوب تعلم علم{[23622]} الأصول ، لأن قوله : { فَلاَ يَصُدَّنَّكَ } يرجع معناه إلى صلابته في الدين ، وتلك الصلابة إن كان المراد بها{[23623]} التقليد لم يتميز المبطل فيه عن المحق ، فلا بد وأن يكون المراد بهذه الصلابة كونه قوياً في تقرير الدلائل ، وإزالة الشبهات حتى لا يتمكن الخصم{[23624]} من إزالته عن الدين بل يكون هو متمكناً من إزالة المبطل عن بطلانِهِ .

( فصل{[23625]} ){[23626]}

قوله : { فَلاَ يَصُدَّنَّكَ } يدل على أن العبادَ هُمُ الذين يصدون{[23627]} ، ولو كان تعالى هو الخالق لأفعالهم لكان هو الصَّاد دونهم ، فدل ذلك على بطلان القول بالجبر{[23628]} . وأجيب بالمعارضة بمسألة{[23629]} العلم ( والداعي ){[23630]} {[23631]} . ثم{[23632]} قال تعالى : " واتَّبَعَ هَوَاهُ " والمعنى أن منكر البعث إنَّما أنكره اتباعاً للهوى لا للدليل ، وهذا من أعظم الدلائل على فساد التقليد{[23633]} ، لأن المقلّد متبعٌ للهوى ( لا للحجة ){[23634]} {[23635]} ثم قال : " فَتَرْدَى " أي : فتهلك .


[23577]:قال سيبويه في هذا: (باب الحروف التي تنزل بمنزلة الأمر والنهي: ومثله من النهي لا يرينك ههنا، ولا أرينك ههنا) الكتاب 3/101، وقد تكلم العلماء في إمكان النهي لغير المخاطبة فقالوا إنه من قبيل المجاز المرسل الذي علاقته السببية، من إطلاق المسبب وإرادة السبب، أي لا يمكن منك وجود حتى لا يراك أو لا أراك، فصد الكافر مسبب عن رخاوة الرَّجل في الدّين، فذكر المسبب ليدل على السبب). انظر الكشاف 2/430، البحر المحيط 6/333.
[23578]:في ب: الكافر.
[23579]:انظر: الكشاف 2/430.
[23580]:انظر البحر المحيط 6/333.
[23581]:انظر الفخر الرازي 22/23.
[23582]:هذا التعليل من كلام القاضي. انظر الفخر الرازي 22/23.
[23583]:انظر البحر المحيط 6/233.
[23584]:ما بين القوسين سقط من ب.
[23585]:في ب: والعرب.
[23586]:في ب: لم. وهو تحريف.
[23587]:في ب: ليرمي السامع وليرد إلى كل. وهو تحريف.
[23588]:انظر الفخر الرازي 22/23.
[23589]:هذا جواب القاضي عما قاله أبو موسى.
[23590]:الفخر الرازي 22/23.
[23591]:ههنا: سقط من ب.
[23592]:قوله: سقط من ب.
[23593]:في ب: أنه. وهو تحريف.
[23594]:في ب: يرفع.
[23595]:انظر التبيان 2/887، البيان 2/140، البحر المحيط 6/233.
[23596]:انظر البحر المحيط 6/233.
[23597]:اللسان (ردى).
[23598]:هو دريد بن الصمة الجشمي شجاع شاعر، جعله محمد بن سلام أول الشعراء الفرسان عاش نحوا من مائتي سنة حتى سقط حاجباه على عينه، وأدرك الإسلام ولم يسلم، وقتل يوم حنين كافرا. الخزانة 11/118 – 121.
[23599]:ابن الصمة: سقط من ب.
[23600]:في ب: يا عبد. وهو تحريف.
[23601]:البيت من بحر الطويل قاله دريد بن الصمة، وهو في دوانه (49) و مجاز القرآن 2/17، والجمهرة 3/341، وتفسير ابن عطية 10/17، البحر المحيط 6/222. أردت: أهلكت. الرَّدي: الهالك. وهو موطن الشاهد.
[23602]:هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 22/23.
[23603]:في ب: عليهما الصلاة والسلام.
[23604]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[23605]:في ب: كل. وهو تحريف.
[23606]:في ب: أراد.
[23607]:وذلك سقط من ب.
[23608]:في ب: صلى الله عليه وسلم.
[23609]:في ب: أنه لم يصده.
[23610]:في ب: بذلك الشيء.
[23611]:ما بين القوسين سقط من ب.
[23612]:في ب: لا.
[23613]:هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 22/23.
[23614]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[23615]:في ب: نفي. وهو تحريف.
[23616]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[23617]:بها: سقط من ب.
[23618]:ما بين القوسين سقط من الأصل.
[23619]:في ب: كقوله.
[23620]:في النسختين : رخاوتك. والصواب ما أثبته.
[23621]:هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 22/23.
[23622]:علم: سقط من ب.
[23623]:بها: سقط من ب.
[23624]:في ب: الشخص. وهو تحريف.
[23625]:هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 22/23 -24.
[23626]:ما بين القوسين سقط من ب.
[23627]:في ب: هم المصدون.
[23628]:قاله القاضي.
[23629]:في ب: بمنزلة.
[23630]:انظر الفخر الرازي 22/23. والمراد بمسألة العلم ما عارض به أهل السنة المعتزلة وهو العلم الإلهي الأزلي. والمراد بمسألة الداعي ما يخلق في القلب من توجه نحو أحد المختارين. انظر شرح المقاصد 1/251 – 256، شرح المواقف 288 – 299.
[23631]:في ب: والداعي منه.
[23632]:ثم: سقط من ب.
[23633]:في ب: المقلد. وهو تحريف.
[23634]:لا للحجة: سقط من ب.
[23635]:انظر الفخر الرازي 22/23 – 24.