التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{فَلَمَّا كَشَفۡنَا عَنۡهُمُ ٱلرِّجۡزَ إِلَىٰٓ أَجَلٍ هُم بَٰلِغُوهُ إِذَا هُمۡ يَنكُثُونَ} (135)

جملة { فلما كشفنا عنهم الرجز } دالة على أن موسى دعا الله برفع الطاعون فارتقع وقد جاء ذلك صريحاً في التوراة ، وحُذف هنا للإيجاز .

وقوله : { إلى أجل هم بالغوه } متعلق ب { كشفنا } باعتبار كون كشف الرجز إزالة للموتان الذي سببه الطاعون ، فإزالة الموتان مغياة إلى أجل هم بالغون إليه وهو الأجل الذي قدره الله لهلاكهم فالغاية منظور فيها إلى فعل الكشف لا إلى مفعوله ، وهو الرجْز .

وجملة : { إذا هم ينكثون } جواب ( لما ) ، و ( إذا ) رابطة للجواب لوقوع جواب الشرط جملة أسمية ، فلما كان ( إذا ) حرفاً يدل على معنى المفاجأة كان فيه معنى الفعل كأنه قيل فاجأوا بالنكث ، أي : بادروا به ولم يؤخروه . وهذا وصف لهم بإضمار الكفر بموسى وإضمار النكث لليمين .

والنكث حقيقته نقض المفتول من حبل أو غَزْل ، قال تعالى : { ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً } [ النحل : 92 ] واستعير النكث لعدم الوفاء بالعهد ، كما استعير الحبل للعهد في قوله تعالى : { إلاّ بحبل من الله وحبل من الناس } [ آل عمران : 112 ] ففي قوله : { ينكثون } استعارة تبعية .

وهذا النكث هو أن فرعون بعد أن أذن لبني إسرائيل بالخروج وخرجوا من أرض ( جاسان ) ليلاً قال لفرعون بعضُ خاصته : مَاذا فعلنا حتى أطلقنا إسرائيل من خدمتنا فندم فرعون وجهز جيشاً للالتحاق ببني إسرائيل ليردوهم إلى منازلهم كما هو في الإصحاح الربع عشر من سفر الخروج .