وقوله : { فَلَماَّ كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرجز } . أي : العذاب . إلى أجلٍ فيه وجهان : أحدهما : أن يتعلَّقَ ب " كَشَفْنَا " وهو المشهور ، وعليه إشكال وهو أنَّ ما دخَلَتْ عليه " لَمَّا " يترتَّبُ جوابُهُ على ابتداء وقوعه ، والغايةُ تنافي التعليق على ابتداء الوقوع ، فلا بُدَّ من تعقُّل الابتداء والاستمرار حتَّى تتَحقَّقَ الغاية ، ولذلك لا تقعُ الغاية في الفعل غير المتطاول .
لا يُقالُ : لمَّا قتلتُ زيداً إلى يوم الخميس جَرى كَذَا ، ولا لمَّا وثبت إلى يوم الجمة اتَّفق كذا ، وقد يُجَابُ بأنَّ المرادَ بالأجَل هنا : وقتُ إيمانهم ، وإرسالهم بني إسرائيل معه ، ويكون المرادُ بالكشفِ : استمرارَ رفع الرِّجْزِ .
كأنه قيل : فَلَمَّا تمادَى كَشَفْنَا عنهم إلى أجل ، وأمَّا مَنْ فَسَّرَ " الأجَلَ " بالمَوْتِ أو بالغَرَقِ فيحتاج إلى حَذْفِ مضاف تقديرُهُ : فَلَمَّا كَشَفْنَا عنهم الرجزَ إلى أجل قُرْب أجل هم بالغوه ، وإنَّما احتاج إلى ذلك ، لأنَّ بين موتهم أو غرقهم حصل منهم نكثٌ ، فكيف يُتَصَوَّرُ أن يكون النَّكْثُ منهم بعد موتهم ، أو غرقهم ؟
والثاني : أنَّهُ متعلِّقٌ بمحذوفٍ على أنَّهُ حال من " الرِّجز " أي : فَلَمَّا كَشَفْنَا عنهم الرجزَ كَائِناً إلى أجل ، والمعنى : أنَّ العذابَ كان مُؤجَّلاً .
قال أبُو حيَّان{[16750]} : وَيُقَوِّي هذا التأويلَ كونُ جواب " لمَّا " جاء ب " إذا " الفجائية أي : فَلَمَّا كَشَفْنَا عنهم العذابَ المقرَّر عليهم إلى أجلٍ فاجؤوا بالنَّكْثِ ، وعلى معنى تَغْيِيَتِهِ الكشفَ بالأجَل المبلوغ لا تتأتى المفاجأة إلاَّ على تأويل الكشفِ بالاستمرار المُغيَّا فيمكن المفاجأة بالنَّكْث إذْ ذاك ممكن .
قوله : " هم بَالِغُوهُ " في محلِّ جرٍ صفة ل " أجَلٍ " والوصف بهذه الجملةِ أبلغُ من وصفِهِ بالمفرد ، لتكررِ الضَّمير المؤذن بالتَّفخيم .
وقوله : { إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } هذه " إذَا " الفُجَائيَّةِ ، وتقدَّم الكلامُ عليها قريباً : و " هُمْ " مبتدأ ، و " ينكُثُونَ " خبره ، و " إذَا " جوابُ " لمَّا " كما تقدَّم بالتَّأويلِ المذكور .
قال الزمخشريُّ : { إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } جواب " لَمَّا " يعني : فلمَّا كشفنا عنهم العذاب فاجؤوا بالنّكث وبَادَرُوهُ ولَمْ يؤخِّروه ، ولكن لَمَّا كَشَفَ عنهم نَكَثُوا .
قال أبُو حيان : " ولا يمكن التَّغْيية مع ظاهرِ هذا التقدير " . انتهى . يعني فلا بُدَّ من تأويل الكشْفِ بالاستمرار ، كما تقدَّم ، حتَّى يَصِحَّ ذلك . وهذه الآية تَرُدُّ مذهبَ مَنْ يَدَّعي في " لَمَّا " أنَّهَا ظَرْفٌ ، إذْ لا بُدَّ لَهَا حينئذٍ من عامل ، وما بعد " إذَا " لا يعمل فيما قبلها ، كما تحرَّر في موضعه .
وقرأ أبُو حَيْوَةَ{[16751]} وأبو هشام " يَنْكِثُون " بكسر الكاف ، والجمهور على الضَّمِّ ، وهما لغتان في المضارع .
والنَّكْثُ : النَّقْضُ ، وأصله : مِنْ نَكْثِ الصُّوف المغزول لِيُغْزل ثانياً ، وذلك المنكوث : نِكثٌ ك : ذِبْح ، وَرِعْي . والجمعُ : أنكاث ، فاستعير لنقض العهد بعد إحكامه وإبرامه كما في خيوط الأكسية إذا نُكِثَتْ بعدما أبْرِمَتْ ، وهذا مِنْ أحسن الاستعارات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.