المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَن تَنفَعَكُمۡ أَرۡحَامُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُمۡۚ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَفۡصِلُ بَيۡنَكُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (3)

ثم أخبر تعالى أن هذه الأرحام التي رغبتم في وصلها ليست بنافعة يوم القيامة فالعامل في { يوم } قوله :{ تنفعكم } ، وقال بعض النحاة في كتاب الزهراوي ، العامل فيه { يفصل } وهو مما بعده لا مما قبله ، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والعامة : «يُفْصَل » بضم الياء وسكون الفاء وتخفيف الصاد مفتوحة ، وقرأ ابن عامر والأعرج وعيسى : «يُفَصَّل » بضم الياء وفتح الفاء وشد الصاد منصوبة ، واختلف على هاتين القراءتين في إعراب قوله : { بينكم } فقيل : نصب على الظرفية ، وقيل رفع على ما لم يسم فاعله إلا أن لفظه بقي منصوباً لأنه كذلك كثر استعماله ، وقرأ عاصم والحسن والأعمش : «يَفْصِل » بفتح الياء وسكون الفاء وكسر الصاد خفيفة ، وقرأ حمزة والكسائي وابن وثاب : «يُفَصِّل » بضم الياء وفتح الفاء وشد الصاد المكسورة ، وإسناد الفعل في هاتين القراءتين إلى الله تعالى ، وقرأ النخعي وطلحة بن مصرف : «نفَصِّلُ » بنون العظمة مرفوعة وفتح الفاء وشد الصاد المكسورة ، وقرأ بعض الناس : «نَفْصل » بنون العظمة مفتوحة وسكون الفاء ، وقرأ أبو حيوة ، بضم الياء وسكون الفاء وكسر الصاد خفيفة من : «أفصل » وفي قوله تعالى : { والله بما تعملون بصير } وعيد وتحذير .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{لَن تَنفَعَكُمۡ أَرۡحَامُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُمۡۚ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَفۡصِلُ بَيۡنَكُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (3)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{لن تنفعكم} يعني لا تغني عنكم {أرحامكم} يعني أقرباءكم {ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم} بالعدل.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله: {لَنْ تَنْفَعَكُمْ أرْحامُكُمْ وَلا أوْلادُكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ} يقول تعالى ذكره: لا يدعونكم أرحامكم وقراباتكم وأولادكم إلى الكفر بالله، واتخاذ أعدائه أولياء تلقون إليهم بالمودّة، فإنه لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم عند الله يوم القيامة، فتدفع عنكم عذاب الله يومئذ، إن أنتم عصيتموه في الدنيا، وكفرتم به...

{يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ} يقول جلّ ثناؤه: يفصل ربكم أيها المؤمنون بينكم يوم القيامة بأن يدخل أهل طاعته الجنة، وأهل معاصيه والكفر به النار... {واللّهُ بِمَا تَعْمَلونَ بَصِيرٌ} يقول جلّ ثناؤه: والله بأعمالكم أيها الناس ذو علم وبصر، لا يخفى عليه منها شيء، هو بجميعها محيط، وهو مجازيكم بها إن خيرا فخير، وإن شرّا فشرّ، فاتقوا الله في أنفُسكم واحذروه.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم} له وجهان:

أحدهما: أن كيف توالون الكفرة لمكان أولادكم وأرحامكم، وهم لا ينفعونكم يوم القيامة؟.

والثاني: أن أرحامكم لا تنفعكم، ولا تشفع لكم يوم القيامة...

{يفصل بينكم} له وجهان أيضا:

أحدهما: أن يفصل بينكم وبين أرحامكم بقوله تعالى: {يوم يفر المرء من أخيه} {وأمه وأبيه} [عبس: 34 و 35].

والثاني: أي يفصل بينكم وبين أرحامكم لاختلاف أعمالكم، فنزل كل واحد منكم منزل عمله...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

{لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم} الذين جعلتموهم علة في القاء المودة اليهم والافشاء اليهم بسر النبي (صلى الله عليه وآله) يوم القيامة، {والله يفصل بينكم} ذلك اليوم ويميز بعضكم عن بعض إذا كانوا كفارا وكنتم مؤمنين.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{لَن تَنفَعَكُمْ أرحامكم} أي قراباتكم {وَلاَ أولادكم} الذين توالون الكفار من أجلهم وتتقربون إليهم محاماة عليهم، ثم قال: {يَوْمَ القيامة يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ} وبين أقاربكم وأولادكم {يَوْمَ يَفِرُّ المرء مِنْ أَخِيهِ...} [عبس: 34] الآية فما لكم ترفضون حق الله مراعاة لحق من يفرّ منكم غداً: خطأ رأيهم في موالاة الكفار بما يرجع إلى حال من والوه أوّلاً، ثم بما يرجع إلى حال من اقتضى تلك الموالاة ثانياً؛ ليريهم أن ما أقدموا عليه من أي جهة نظرت فيه وجدته باطلاً.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم. يوم القيامة يفصل بينكم. والله بما تعملون بصير).. إن المؤمن يعمل ويرجو الآخرة. يزرع هنا وينتظر الحصاد هناك... (لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم).. التي تهفون إليها وتتعلق قلوبكم بها؛ وتضطركم إلى موادة أعداء الله وأعدائكم وقاية لها -كما حدث لحاطب في حرصه على أولاده وأمواله- وكما تجيش خواطر آخرين غيره حول أرحامهم وأولادهم الذين خلفوهم في دار الهجرة...

(يوم القيامة يفصل بينكم).. لأن العروة التي تربطكم مقطوعة. وهي العروة التي لا رباط بغيرها عند الله. (والله بما تعملون بصير).. مطلع على العمل الظاهر والنية وراءه في الضمير.

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

وكشف كتاب الله السر في تحذيره لهذا الفريق من المؤمنين، فقد كانوا لا يزالون متأثرين بروابط القرابة والرحم التي تربطهم بأقربائهم من مشركي مكة، وكانوا يحنون إليهم ما بين الحين والحين، فقال تعالى مخاطبا لهم: {لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير3}.