اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لَن تَنفَعَكُمۡ أَرۡحَامُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُمۡۚ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يَفۡصِلُ بَيۡنَكُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ} (3)

قوله : { لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ } .

لما اعتذر حاطب بأن له أرحاماً وأولاداً فيما بينهم بيَّن الله - تعالى - أن الأهل والأولاد لا ينفعون شيئاً يوم القيامة إن عصى من أجل ذلك .

{ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ } فيدخل المؤمنين الجنة ، ويدخل الكافرين النار{[56192]} { والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } .

قوله : { يَوْمَ القيامة } يجوز فيه وجهان{[56193]} .

أحدهما : أن يتعلق بما قبله ، أي : لن ينفعكم يوم القيامة ، فيوقف عليه ، ويبتدأ { يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ } .

والثاني : أن يتعلق بما بعده ، أي : يفصل بينكم يوم القيامة ، فيوقف على «أولادكم » ويبتدأ { يَوْمَ القيامة } .

والقراء في { يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ } على أربع مراتب :

الأولى{[56194]} : لابن عامر : بضم الياء وفتح الفاء والصاد مثقلة .

الثانية : مثقلة إلا أنه بكسر الصاد للأخوين .

الثالثة : بفتح الياء وسكون الفاء وكسر الصاد مخففة لعاصم .

الرابعة : بضم الياء وسكون الفاء وفتح الصاد مخففة للباقين ، وهم نافع وابن كثير ، وأبو عمرو ، وهذا في السبعة .

وقرأ ابن أبي عبلة وأبو حيوة : بضم الياء وكسر الصاد مخففة وسكون الفاء مخففة من «أفْصَلَ » .

وأبو حيوة أيضاً : «نُفْصِلُ » بضم النون ، من «أفصل » .

والنخعي وطلحة : «نُفَصِّلُ » بضم النون وفتح الفاء وكسر الصَّاد مشددة .

وقرأ أيضاً وزيد بن علي{[56195]} : «نَفْصِلُ » بفتح النون وسكون الفاء وكسر الصاد مخففة فهذه أربع ، فصارت ثماني قراءات .

فمن بناه للمفعول ، فالقائم مقام الفاعل إما ضمير المصدر ، أي : يفصل الفصل ، أو الظرف ، وبني على الفتح لإضافته إلى غير متمكن ، كقوله : { لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ }[ الأنعام : 94 ] في أحد الأوجه ، أو الظرف وهو باقٍ على نصبه كقولك : جُلِسَ عندك . ثم قال : { والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } ، وفيه سؤال ، وهو أنه لِمَ لَمْ يَقُلْ : خبير مع أنه أبلغ في العلم بالشيء{[56196]} ؟ .

والجواب : أنَّ الخبير أبلغ في العلم ، والبصير أشهر منه فيه ، فإنه يجعله كالمحسُوس بحس البصر .


[56192]:ينظر: السابق.
[56193]:ينظر: الدر المصون 6/303.
[56194]:ينظر هذه القراءات الأربع في: السبعة 633، والحجة 6/285، وإعراب القراءات 2/360، وحجة القراءات 706، والعنوان 189، وشرح الطيبة 6/50، وشرح شعلة 601، وإتحاف 2/533.
[56195]:ينظر في هذه القراءات: المحرر الوجيز 5/295، والبحر المحيط 8/252، والدر المصون 6/304.
[56196]:ينظر: الفخر الرازي 29/260.