المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{قَالَ يَٰمُوسَىٰٓ إِنِّي ٱصۡطَفَيۡتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَٰلَٰتِي وَبِكَلَٰمِي فَخُذۡ مَآ ءَاتَيۡتُكَ وَكُن مِّنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ} (144)

ثم إن الله تعالى قرر موسى على آلائه عنده على جهة الإخبار وقَّنعه بها وأمره بالشكر عليها ، وكأنه قال : ولا تتعداها إلى غيرها ، و «اصطفى » أصله : اصتفى ، وهو افتعل من صفا يصفو انقلبت التاء طاء لمكان الصاد ، ومعناه تخيرتك وخصصتك ، ولا تستعمل إلا في الخير والمتن ، لا يقال اصطفاه لشر ، وقوله { على الناس } عام والظاهر من الشريعة أن موسى مخصص بالكلام وإن كان قد روي في تكليم الله غيره أشياء بما يشاء من أعظمها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن آدم فقال هو نبي مكلَّم .

قال القاضي أبو محمد : إلا أن ذلك قد تأول أنه كان في الجنة فيتحفظ على هذا تخصيص موسى ، ويصح أن يكون قوله { على الناس } عموماً مطلقاً في مجموع الدرجتين الرسالة والكلام . وقرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو وعاصم وابن عامر «برسالاتي » على الجمع إذ الذي أرسل به ضروب ، وقرأ ابن كثير ونافع «برسالتي » على الإفراد الذي يراد به الجمع وتحل الرسالة هاهنا محل المصدر الذي هو الإرسال ، وقرأ جمهور الناس و «بكلامي » ، وقرأ أبو رجاء «برسالتي وبكلمتي » ، وقرأ الأعمش «برسالاتي وبكلمي » ، وحكى عنه المهدوي «وتكليمي » على وزن تفعيلي ، وقوله { فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين } تأديب وتقنيع وحمل على جادة السلامة ومثال لكل أحد في حاله ، فإن جميع النعم من عنده بمقدار وكل الأمور بمرأى من الله ومسمع .