الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{قَالَ يَٰمُوسَىٰٓ إِنِّي ٱصۡطَفَيۡتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَٰلَٰتِي وَبِكَلَٰمِي فَخُذۡ مَآ ءَاتَيۡتُكَ وَكُن مِّنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ} (144)

{ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ } أعطيتك { وَكُنْ مِّنَ الشَّاكِرِينَ } لله سبحانه على نعمه .

أخبرنا أبو عمرو أحمد بن أحمد بن حمدون الفراتي . أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين بن بكير الرازي ، حدثنا الحسن بن عليّ بن يحيى بن سلام الإمام ، حدثنا أحمد بن حسان بن موسى البلخي . حدثنا أبو عاصم إسماعيل بن عطاء بن قيس [ الأموي ] عن أبي حازم المدني عن عبد الله بن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" لما أعطى الله تعالى موسى الألواح فنظر فيه قال : يا رب لقد أكرمتني بكرامة لم تكرمها أحداً قبلي قال : يا موسى إنّي اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين ، بجد ومحافظة وموت على حب محمد صلى الله عليه وسلم .

قال موسى : يا رب ومن محمد ؟ قال : أحمد النبي الذي أُثبت اسمه على عرشي من قبل أن أخلق السماوات بألفي عام ، إنّه نبيي وصفيي وحبيبي وخيرتي من خلقي وهو أحب إلي من جميع خلقي وجميع ملائكتي .

قال موسى : يا رب إن كان محمد أحب إليك من جميع خلقك فهل خلقت أمته أكرم عليك من أمتي ؟ قال : يا موسى إنّ فضل أُمة محمد على سائر الخلق كفضلي على جميع خلقي . قال : يا رب ليتني رأيتهم ، قال : يا موسى إنّك لن تراهم ، لو أردت أن تسمع كلامهم أسمعتك ، قال : يا رب فإني أُريد أن أسمع كلامهم ، قال الله تعالى : يا أُمة أحمد ، فأجبنا كلنا من أصلاب آبائنا وأرحام أُمهاتنا لبيك اللهم لبيك إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك . قال الله تعالى : يا أُمة أحمد إن رحمتي سبقت غضبي وعفوي سبق حسابي قد أعطيتكم من قبل أن تسألوني وقد أجبتكم من قبل أن تدعوني وقد غفرت لكم قبل أن تعصوني . من جاءني يوم القيامة بشهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً عبدي ورسولي دخل الجنّة ولو كانت ذنوبه أكثر من زبد البحر . وهذا قوله عزّ وجلّ " .

{ وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ }

إلى قوله

{ الشَّاهِدِينَ } [ القصص : 44 ]

{ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا } [ القصص : 46 ] .

قال الثعلبي : وأخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عليّ بن نصير المزكى ، أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج حدّثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا رشد بن سعيد عن سعيد بن عبد الرحمن المعافري عن أبيه أن كعب الأحبار رأى حبر اليهود يبكي قال : ما يبكيك ؟

قال : ذكرت بعض الأُمور .

فقال له كعب : أنشدك الله لئن أخبرتك ما أبكاك تصدقني ؟

قال : نعم .

قال : أنشدك الله تجد في [ الكتاب ] المنزل أنّ موسى ( عليه السلام ) نظر في التوراة فقال : إني أجد أُمة خير أُمم أُخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله والرسول والكتاب الآخر ويقاتلون أهل الضلالة حتّى يقاتلوا الأعور الدجال ، فقال موسى : ربّ اجعلهم أُمّتي ، قال : هم أُمّة محمد يا موسى ، قال الحبر : نعم .

قال : أنشدك الله تجد في كتاب الله المنزل أنّ موسى نظر في التوراة فقال : رب إني أجد أُمةً يأكلون كفاراتهم وصدقاتهم ، وكان الأولون يحرقون صدقاتهم بالنار غير أن موسى كان يجمع صدقات بني إسرائيل فلا يجد عبداً مملوكاً ولا أمةً إلاّ اشتراه ثمّ أعتقه من تلك الصدقات فما فضل حفر له بئر عميقة القعر فألقاه فيها ثمّ دفنه كيلا يرجعوا فيه ، وهم المستجيبون والمستجاب لهم الشافعون والمشفوع لهم .

قال موسى : اجعلهم أُمّتي ؟ قال : هي أُمة أحمد يا موسى . قال الحبر : نعم .

قال كعب : أنشدك الله تجد في كتاب الله المنزل أنّ موسى ( عليه السلام ) نظر في التوراة ، فقال : إني أجد أُمة إذا أشرف أحدهم على نشر كبر الله وإذا هبط وادياً حمد الله ، الصعيد لهم طهور والأرض لهم مسجد حيث ما كانوا ، يتطهرون من الجنابة ، طهورهم بالصعيد كطهورهم بالماء حيث لا يجدون الماء ، غير محجلون من آثار الوضوء ، فاجعلهم أُمتي ؟ قال : هي أُمة أحمد يا موسى ، قال الحبر : نعم .

قال كعب : أنشدك الله تجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة فقال : ربِ إني أجد أُمةً إذا همَّ أحدهم بحسنة لم يعملها كتبت له حسنة مثلها ، وإن عملها ضعف عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، فإذا هَمّ بسيئة ولم يعملها لم يكتب عليه وإن عملها كتبت سيئة مثلها .

قال : اجعلهم أُمتي ؟ قال : هي أُمة أحمد يا موسى ، قال الحبر : نعم .

قال كعب : أنشدك الله تجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة وقال : ربِ إنّي أجد أُمّة مرحومة ضعفاء يرثون الكتاب الذين اصطفيناهم ، فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات فلا أجد منهم أحداً إلاّ مرحوماً . اجعلهم أُمّتي ؟ قال : هي أُمة أحمد يا موسى ، قال الحبر : نعم .

قال كعب : أنشدك الله تجد في كتاب الله المنزل أنّ موسى نظر في التوراة قال : ربِ إنّي أجد في التوراة أُمة مصاحفهم في صدورهم يلبسون ألوان ثياب أهل الجنّة ، يصفون في صلواتهم صفوف الملائكة أصواتهم [ في مساجدهم ] كدوي النحل ، لا يدخل النار منهم أحدٌ أبداً إلا من يرى الحساب مثل ما يرى الحجر من وراء الشجر ، قال موسى : فاجعلهم أُمتي ؟ قال : هي أمة أحمد ياموسى . قال الحبر : نعم .

فلما عجب موسى من الخير الذي أعطى الله تبارك وتعالى محمداً صلى الله عليه وسلم قال : يا ليتني من أصحاب محمد فأوحى الله عزّ وجلّ ثلاث آيات يرضيه بها هي { يمُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ } الى قوله { دَارَ الْفَاسِقِينَ } { وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } قال : فرضي موسى كل الرضا .