المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَنَادَىٰٓ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِ أَصۡحَٰبَ ٱلنَّارِ أَن قَدۡ وَجَدۡنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّٗا فَهَلۡ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمۡ حَقّٗاۖ قَالُواْ نَعَمۡۚ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنُۢ بَيۡنَهُمۡ أَن لَّعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ} (44)

هذا إخبار من الله عز وجل عما يكون منهم ، وعبر عن معان مستقبلة بصيغة ماضية وهذا حسن فيما يحقق وقوعه ، وهذا النداء من أهل الجنة لأهل النار تقريع وتوبيخ وزيادة في الكرب وهو بأن يشرفوا عليهم ويخلق الإدراك في الأسماع والأبصار ، وقرأ جمهور الناس «نعَم » بفتح العين ، وقرأ الكسائي «نعِم » بكسر العين ورويت عن عمر بن الخطاب وعن النبي صلى الله عليه وسلم وقرأها ابن وثاب والأعمش قال الأخفش هما لغتان ، ولم يحك سيبويه الكسر ، وقال : «نعم » عدة وتصديق أي مرة هذا ومرة هذا ، وفي كتاب أبي حاتم عن الكسائي عن شيخ من ولد الزبير قال : ما كنت أسمع أشياخ قريش يقولون : إلا «نعِم » بكسر العين ثم فقدتها بعده ، وفيه عن قتادة عن رجل من خثعم قال : قلت للنبي صلى الله عليه وسلم : أنت تزعم أنك نبي : ؟ قال : «نعِم » بكسر العين ، وفيه عن أبي عثمان النهدي قال : سأل عمر عن شيء فقالوا نعم ، فقال عمر : النعم الإبل والشاء ، وقولوا «نعِم » بكسر العين . قال أبو حاتم : وهذه اللغة لا تعرف اليوم بالحرمين ، وقوله { فأذن مؤذن بينهم } الآية ؛ قال أبو علي الفارسي والطبري وغيرهما : «أذن مؤذن » بمعنى أعلم معلم ، قال سيبويه : أذنت إعلام بتصويت ، وقرأ ابن كثير في رواية قنبل ونافع وأبو عمر وعاصم «أنْ لعنةُ الله » بتخفيف «أنْ » من الثقيلة ورفع اللعنة .

وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وابن كثير في رواية البزي وشبل «أنّ لعنةَ » بتثقيل «أنّ » ونصب اللعنة ، وكلهم قرأ التي في النور { أنّ لعنة الله } [ النور : 7 ] و { أنّ غضب الله } [ النور : 9 ] بتشديد النون غير نافع فإنه قرأهما «أنْ لعنة الله وأنْ غضب » مخففتين ، وروى عصمة عن الأعمش «مؤذن بينهم إن » بكسر الألف على إضمار قال .

قال القاضي أبو محمد : لما كان الأذان قولاً ، و «الظالمون » في هذه الآية : الكافرون ، ثم ابتدأ صفتهم بأفعالهم في الدنيا ليكون علامة أن أهل هذه الصفة هم المراد يوم القيامة بقوله { أن لعنة الله على الظالمين } .