غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَنَادَىٰٓ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِ أَصۡحَٰبَ ٱلنَّارِ أَن قَدۡ وَجَدۡنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّٗا فَهَلۡ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمۡ حَقّٗاۖ قَالُواْ نَعَمۡۚ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنُۢ بَيۡنَهُمۡ أَن لَّعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ} (44)

44

التفسير : ولما شرح وعيد الكفار وثواب الأبرار أتبعه المناظرات التي تدور بين الفريقين فقال : { ونادى } وإنما ذكره بلفظ الماضي لأن المستقبل الذي يخبر الله تعالى عنه من حيث تحقق وقوعه كالماضي . والظاهر أن هذا النداء إنما يكون بعد الاستقرار في الجنة لأنه ورد بعد قوله : { ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها } قيل : الجنة في أعلى السموات والنار في أسفل الأرض . ومع هذا البعد الشديد كيف يصح هذا النداء ؟ وأجيب بأن البعد الشديد والقرب عندنا ليس من موانع الإدراك ، ولو سلم المنع في الشاهد فلا يسلم في الغائب . وهذا النداء يقع من كل أهل الجنة لكل أهل النار لأن أصحاب الجنة وأصحاب النار يفيد العموم لكن الجمع إذا قرن بالجمع يوزع الفرد على الفرد ، فكل فريق من أهل الجنة ينادي من كان يعرفه من الكفار . و «أن » في { إن قد وجدنا } مفسرة أو مخففة من الثقيلة كما مر في قوله : { أن تلكم الجنة } [ الأعراف : 43 ] وكذا قوله : { أن لعنة الله } لأن النداء والتأذين في معنى القول : قال ابن عباس : { وجدنا ما وعدنا ربنا } في الدنيا من الثواب { حقاً } صحيحاً مطابقاً للواقع { فهل وجدتم ما وعد ربكم } من العقاب { حقاً } والغرض من هذا الاستفهام إظهار البشاشة والاغتباط وإيقاع الحزن في قلب العدو ، وفي هذه الحكاية لطف للمؤمنين وترغيب كما في سائر الأخبار . وإنما حذف المفعول في { وعد ربكم } لدلالة المفعول في { وعدنا } عليه ، ولأن كونهم مخاطبين من قبل الله تعالى بهذا الوعد يوجب مزيد التشريف وأنه لا يليق إلا بحال المؤمنين ويحتمل أن يكون الإطلاق ليتناول كل ما وعد الله من البعث والحساب والثواب والعقاب وسائر أحوال القيامة { قالوا نعم } قال سيبويه : نعم عدة وتصديق أي تستعمل تارة عدة وتارة تصديقاً .

فإذا قال : أتعطيني ؟ قال : نعم ، فهو عدة . وإذا قال : قد كان كذا وكذا فقلت : نعم فقد صدقت . والحاصل أن نعم للتصديق في الخبر والتحقيق في الاستفهام مثبتين كانا أو منفيين . فلو قيل : قام زيد أو أقام زيد فتقول : نعم . كان معناه نعم قام زيد مصدقاً أو محققاً ولو قيل : ما قام زيد أو ألم يقم زيد فقلت : نعم . كان المعنى ما قام زيد مصدقاً أو محققاً . ومن ثم قال ابن عباس : لو قالوا في جواب { ألست بربكم } [ الأعراف : 172 ] «نعم » لكان كفراً . هذا من حيث اللغة وقد يكون العرف على خلاف ذلك كقول الفقهاء . لو قيل أليس لي عليك دينار فقلت : نعم التزمت بالدينار بناء على العرف الطارئ بعد الوضع . وكنانة تكسر العين من نعم . وروي عن عمر أنه سأل قوماً عن شيء فقالوا : نعم فقال عمر : أما النعم فالإبل وقولوا نعم وأنكر هذه الرواية أبو عبيد { فأذن مؤذن } قال ابن عباس : هو الملك صاحب الصور يأمره الله فينادي نداء يسمع أهل الجنة وأهل النار . ومعنى التأذين النداء والتصويت للإعلام ومنه الأذان لأنه إعلام بالصلاة وبوقتها . والظالمون في الآية قيل : عام للكافر والفاسق .

/خ53