تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَنَادَىٰٓ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِ أَصۡحَٰبَ ٱلنَّارِ أَن قَدۡ وَجَدۡنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّٗا فَهَلۡ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمۡ حَقّٗاۖ قَالُواْ نَعَمۡۚ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنُۢ بَيۡنَهُمۡ أَن لَّعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ} (44)

الآية 44 وقوله تعالى : { ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم } وما وعد المؤمنين عز وجل ما{[8373]} فيها من النعيم واللذات والشهوات بقوله تعالى : { وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين } [ الزخرف : 71 ] وقوله تعالى { لذة للشاربين } [ الصافات : 46ومحمد : 15 ] .

هذا الذي وعد للمؤمنين ، ووعد للكافرين النار وما{[8374]} فيها من الشدائد وأنواع العذاب ، فأقرّوا أنهم قد وجدوا ما وعد لهم ربهم .

وقوله تعالى : { فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا } إن المراد بالحق الذي ذكر الوعد الذي وعدهم ، وتفسير الحق الصدق ، وإن كان الموعود فتأويله : وجدتموه كائنا حاضرا ، وهو ما ذكرنا في قوله تعالى : { وليعلم الله الذين آمنوا } كذا .

[ وقوله تعالى ]{[8375]} : { فأذّن مؤذّن بينهم أن لعنة الله على الظالمين } أي وجبت لعنة الله على الظالمين الذين وعدوا في الدنيا .

وقوله تعالى : { فأذّن مؤذّن بينهم } يحتمل الملك . ويحتمل غيره . وليس يعرف ذلك إلا بالخبر . وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة .

فإن قيل : يذكر في الآية نداء أهل الجنة أهل النار ونداء أهل النار أهل الجنة ، ونداء بعضهم لا يكون إلا بحيث يكون بعضهم قريبا من بعض .

وقد جاء في الأخبار من وصف الجنة وسعتها ما روي أن أقل ما يكون لواحد من الجنة مثل عرض الدنيا ، وما ذكر أن الحور العين لو نظرت نظرة على الدنيا لامتلأت الدنيا من ضوئها ونورها وكذلك من ريحها وعطرها .

وقد جاء في وصف النار أن شرارة منها [ لو ]{[8376]} وقعت في الدنيا لأحرقتها{[8377]} ، أو كلام نحو هذا .

فإذا كان بعضهم [ قريبا ]{[8378]} من بعض بحيث يسمع{[8379]} بعضهم نداء بعض ألا يتأذّى أهل الجنة بالنار ؟ [ ولا ينتفع أهل النار ]{[8380]} بنعيم الجنة ؟ وكيف يعرف ذلك ؟ قيل : والله أعلم ، [ إنه عز وجل لقادر ]{[8381]} أن يضع{[8382]} نداء هؤلاء بمسامع أولئك ، ونداء أولئك بمسامع هؤلاء مع ما بعد ما بينهما ، فيسمع كل فريق نداء الفريق الآخر على غير هذه البينة مع ارتفاع الآفات والحجب التي تمنع ذلك . فإذا ارتفع ذلك كان ما ذكر ، والله أعلم ، أو يقرّب الجنة من النار والنار من الجنة بحيث يسمع بعضهم من بعض ما ذكر من السماء ، أو يجعل ذلك في مسامعهم بما شاء وكيف شاء ؟ كتسبيح الجبال وخطاب النمل وجوابه .


[8373]:من م، في الأصل: وما.
[8374]:في الأصل وم: و.
[8375]:ساقطة من الأصل وم.
[8376]:ساقطة من الأصل وم.
[8377]:من م، في الأصل: لأحرقته.
[8378]:ساقطة من الأصل وم.
[8379]:في الأصل وم: يسمعون.
[8380]:من م، ساقطة من الأصل.
[8381]:في الأصل وم: وقادر.
[8382]:في الأصل وم: يوضع.