معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّأَزۡوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ يُدۡنِينَ عَلَيۡهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَن يُعۡرَفۡنَ فَلَا يُؤۡذَيۡنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (59)

ثم نهى الحرائر أن يتشبهن بالإماء فقال جل ذكره : { يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن } جمع الجلباب ، وهو الملاءة التي تشتمل بها المرأة فوق الدرع والخمار . وقال ابن عباس وأبو عبيدة : أمر نساء المؤمنين أن يغطين رؤوسهن ووجوههن بالجلابيب إلا عيناً واحدة ليعلم أنهن حرائر . { ذلك أدنى أن يعرفن } أنهن حرائر ، { فلا يؤذين } فلا يتعرض لهن ، { وكان الله غفوراً رحيماً } قال أنس : مرت بعمر بن الخطاب جارية متقنعة فعلاها بالدرة ، وقال يا لكاع أتتشبهين بالحرائر ، ألقي القناع .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّأَزۡوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ يُدۡنِينَ عَلَيۡهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَن يُعۡرَفۡنَ فَلَا يُؤۡذَيۡنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (59)

قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ( 59 ) لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلاً ( 60 ) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً }

قيل في سبب نزول الآية أن المدينة كانت ضيقة المنازل وكان النساء إذا كان الليل خرجوا لقضاء الحاجة وكان فُسّاق من فُسّاق المدينة يخرجون فإذا رأوا المرأة عليها قناع قالوا هذه حرة فتركوها ، وإذا رأوا المرأة بغير قناع قالوا هذه أمة ، فكانوا يراودونها . فنزلت هذه الآية{[3775]} وفيها يأمر الله نساء النبي صلى الله عليه وسلم وبناته ونساء المؤمنين إذا خرجن لقضاء الحاجة أن { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ } والجلابيب جمع جلباب وهو الثوب الكبير الساتر الذي تغطي به المرأة بدنها بدءا بأعلى خمار الرأس حتى أسفل الكعبين فلا يبدو منها غير عينيها وبعض وجهها . وذلك كيلا يتحرَّشَ بهن الفساق في الطريق فيسمعن منهم فاحش الكلام . وهو قوله : { ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ } والإشارة عائدة إلى إدناء الجلابيب . وهو مبتدأ ، وخبره { أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ } يعني أقرب أن يعرفن أنهن حرائر فيتميزن عن الإماء { فَلا يُؤْذَيْنَ } أي لا يؤذيهن الفساق والمنافقون وأهل الريبة . فقد كانت الأمة إذا مرت تناولها المنافقون بالإذاية والفاحش من الكلام . فنهى الحرائر أن يشتبهن بالإماء كيلا يتعرضن لمثل تلك الإذاية من الفساق والمريبين .

قوله : { وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } ذلك عَفْوٌ من الله عنهن ورحمة منه بهن لما سلف منهن ؛ إذْ كُنّ لا يدنين على أنفسهن الجلابيب . على أن النساء المسلمات في أحوالهن المعتادة وهن خارج البيت أو أمام الأجانب مأمورات بإدناء الجلابيب عليهن ليسترن بذلك كل أجسادهن باستثناء الوجه والكفين استدلالا بقوله تعالى : { ولا يُبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } والمراد بالمستثنى { إلا ما ظهر منها } الوجه والكفان ، وهو قول أكثر العلماء .


[3775]:أسباب النزول للنيسابوري ص 245