تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّأَزۡوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ يُدۡنِينَ عَلَيۡهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَن يُعۡرَفۡنَ فَلَا يُؤۡذَيۡنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (59)

الآية 59 وهو قوله تعالى : { يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين } .

وقال بعضهم : نزل هذا في نساء المهاجرين ؛ وذلك أن المهاجرين قدموا على المدينة ، وهي ضيقة ، ومعهم نساؤهم ، فنزلوا مع الأنصار في ديارهم ، فضاقت الدور عليهم . فكانت النساء يخرجن بالليل إلى البزار ، فيقضين حوائجهن هنالك ، فكان المريب يرصد النساء بالليل ، فيأتيها ، فيتعرض لها .

وإنما كانوا يطلبون الولائد والإماء ، فلم تعرف الأمة من الحرة بالليل لأن زيهن كان واحدا يومئذ ، فذكر نساء المؤمنين ذلك إلى أزواجهن ، وما يلقين بالليل من أهل الريبة والفجور ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزل فيهم : { يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن } إلى آخر ما ذكر .

أمر الحرائر بإرخاء الجلباب وإسداله عليهن ليكون علما بين الحرائر والإماء .

وروي عن عمر رضي الله عنه أن جارية مرت متقنعة ، فضربها بالدرة ، وقال : اكشفي قناعك ، ولا تتشبهي بالحرائر .

وأمر الإماء بكشف ما ذكر ، والحرائر بستر ذلك .

وقد أمر الحرائر في سورة النور بضرب الخمر على الجيوب بقوله : { وليضربن بخمرهن على جيوبهن } [ الآية : 31 ] . لئلا تظهر الزينة التي على الجيوب ، ونهين أن يظهرن ، ويبدين زينتهن للأجنبيين إلا ما ظهر منها .

وأمرن في هذه الآية بإرخاء الجلباب وإسداله عليهن ليعرفن أنهن حرائر ، فلا يؤذين بما ذكرنا .

ثم اختلف في الجلباب : قال بعضهم : هو الرداء ، والجلابيب الأردية ، وهو قول القتبي : أمرن أن يلبسن الأردية والملاء .

وقال أبو عوسجة : الجلابيب المقانع ، الواحد : جلباب ؛ يقال : تجلببي أي تقنعي ، وهو الذي يكون فوق الخمار .

وفي الآية دلالة رخصة خروج الحرائر للحوائج ، أنه لو لم يجز لهن الخروج لم يؤمرن بإرخاء الجلباب على أنفسهن . ولكن نهاهن عن الخروج [ بغير جلباب ]( {[16831]} ) فدل أنه يجوز لهن الخروج للحاجة ، والله أعلم .


[16831]:ساقطة من الأصل وم.