السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّأَزۡوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ يُدۡنِينَ عَلَيۡهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَن يُعۡرَفۡنَ فَلَا يُؤۡذَيۡنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (59)

ثم نهى الحرائر أن يشتبهن بالإماء بقوله تعالى : { يا أيها النبي } ذكره بالوصف الذي هو منبع المعرفة والحكمة { قل لأزواجك } بدأ بهن لما لهن به من الوصلة بالنكاح { وبناتك } ثنى بهن لما لهن من الوصلة ، ولهن من القسمين من الشرف وآخرهن عن الأزواج لأن أزواجه يكفونه أمرهن { ونساء المؤمنين يدنين } أي : يقربن { عليهن } أي : على وجوههن وجميع أبدانهن فلا يدعن شيئاً منها مكشوفاً { من جلابيبهن } ولا يتشبهن بالإماء في لباسهن إذا خرجن لحاجتهن بكشف الشعور ونحوها ظناً أن ذلك أخفى لهن وأستر ، والجلباب والقميص وثوب واسع دون الملحفة تلبسه المرأة ، والملحفة : ما ستر اللباس ، والخمار : وهو كل ما غطى الرأس وقال البغوي : الجلباب الملاءة التي تشتمل بها المرأة فوق الدرع والخمار ، وقال حمزة الكرماني ، قال الخليل : كل ما يستر به من دثار وشعار وكساء فهو جلباب والكل تصح إرادته هنا ، فإن كان المراد القميص فإدناؤه إسباغه حتى يغطي بدنها ورجليها ، وإن كان يغطي الرأس فإدناؤه ستر وجهها وعنقها ، وإن كان المراد ما يغطي الثياب فإدناؤه تطويله وتوسيعه بحيث يستر جميع بدنها وثيابها ، وإن كان المراد ما دون الملحفة فالمراد ستر الوجه واليدين وقال ابن عباس وعبيدة : أمر نساء المؤمنين أن يغطين رؤوسهن ووجوههن بالجلابيب إلا عيناً واحدة ليعلم أنهن حرائر .

ولما أمر تعالى بذلك علله بقوله تعالى : { ذلك } أي : الستر { أدنى } أي : أقرب من تركه في { أن يعرفن } أنهن حرائر بما يميزهن عن الإماء { فلا } أي : فتسبب عن معرفتهن أن لا { يؤذين } ممن يتعرضن للإماء فلا يشتغل قلبك عن تلقي ما يرد عليك من الأنباء الإلهية قال ابن عادل : ويمكن أن يقال : المراد يعرفن أنهن لا يزنين لأن من تستر وجهها مع أنه ليس بعورة أي : في الصلاة لا يطمع فيها أنها تكشف عورتها ، فبفرض أنهن مستورات لا يمكن طلب الزنا منهن انتهى .

ولما رقاهن تعالى لهذا الأمر خفف عاقبة ما كن فيه من التشبيه بالإماء فأخبرهن تعالى بوسع كرمه وجوده بقوله تعالى : { وكان الله } أي : الذي له الكمال المطلق أزلاً وأبداً { غفوراً } أي : لما سلف منهن من ترك الستر فهو محاء للذنوب عيناً وأثراً { رحيماً } بهن إذ سترهن وبمن يمتثل أوامره ويجتنب نواهيه قال البغوي : قال أنس : مرت بعمر جارية مقنعة فعلاها بالدرة وقال : يا لكاع أتتشبهين بالحرائر ألقي القناع ويظهر أن عمر إنما فعل ذلك خوفاً من أن تلتبس الإماء بالحرائر فلا يعرف الحرائر فيعود الأمر كما كان .