{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ } جمع جلباب وهو ثوب أكبر من الخمار ، وهو الملاءة التي تشتمل بها المرأة فوق الدرع والخمار ، قال الجوهري : لجلباب الملحفة ، قال الشهاب إزار واسع يلتحف به ، وقيل : القناع وقيل : هو كل ثوب يستر جميع بدن المرأة من كساء وغير كما ثبت في الصحيح من حديث أم عطية أنها قالت يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب ؟ فقال : ( لتلبسها أختها من جلبابها ) قال الواحدي قال المفسرون : يغطين وجوههن ورؤوسهن إلا عينا واحدة فيعلم أنهن حرائر فلا يعرض لهن بأذى ، وبه قال ابن عباس ، وقال الحسن : تغطي نصف وجهها ، وقال قتادة : تلويه فوق الجبين وتشده ، ثم تعطفه على الأنف وإن ظهرت عيناها لكنه يستر الصدر ومعظم الوجه ، وقال المبرد : يرخينها عليهن ويغطين بها وجوههن وأعطافهن ، و ( من ) للتبعيض أي ترخي بعض جلبابها وفضله على وجهها تتقنع حتى تتميز عن الأمة .
{ ذَلِكَ } أي إدناء الجلابيب وهو مبتدأ وخبره { أَدْنَى } أقرب { أَن يُعْرَفْنَ } فيتميزن عن الإماء ويظهر للناس أنهن حرائر { فَلا يُؤْذَيْنَ } من جهة أهل الريبة بالتعرض لهن مراقبة لهن ولأهلهن ، وليس المراد بقوله ذلك الخ أن تعرف الواحدة منهن من هي ، بل المراد أن يعرفن أنهن حرائر لا إماء لأنهن لبسن لبسة تختص بالحرائر .
قال السبكي : في الطبقات الكبرى إن من أئمة الشافعية أحمد بن عيسى شارح التنبيه استنبط من هذه الآية أن ما يفعله علماء هذا الزمان في ملابسهم من سعة الأكمام والعمة ولبس الطيلسان حسن ، وإن لم يفعله السلف ، لأن فيه تمييزا لهم ، وبذلك يعرفون فيلتفت إلى فتاواهم وأقوالهم انتهى . ومنه يعلم أن تمييز الأشراف بعلامة أمر مشروع أيضا انتهى .
أقول ما أبرد هذا الاستنباط وما أقل نفعه ، لا سيما بعد ما ورد في السنة المطهرة من النهي عن الإسراف في اللباس وإطالته ، وقد منع عن ذلك سلف الأمة وأئمتها فأين هذا من ذاك ؟ وإنما هو بدعة أحدثها علماء السوء ومشايخ الدنيا ولذا قال علي القاري في معرض الذم : ( لهم عمائم كالأبراج ، وكمائم كالأخراج ) وأنكر عليهم ذلك أشد الإنكار ، وما ذكره من أن زي العلماء والأشراف سنة رده ابن الحاج في المدخل بأنه مخالف لزيهم في زمن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وزمن الخلفاء الراشدين ومن بعدهم من خير القرون ، فإن قيل إنهم به يعرفون ، قيل إنهم لو بقوا على الزي الأول عرفوا به أيضا لمخالفته لما عليه غيرهم الآن وأطال في إنكار ما قالوه ، وقد بسطنا القول على ذلك في حجج الكرامة بالفارسية أيضا فراجعه .
{ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا } لما سلف من ترك إدناء الجلابيب { رَّحِيمًا } بهن أو غفورا لذنوب المذنبين رحيما بهم ، فيدخل في ذلك دخولا أوليا .
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة قالت : خرجت سودة بعدما ضرب الحجاب لحاجتها وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها ، فرآها عمر فقال : يا سودة أما والله ما يخفين علينا فانظري كيف تخرجين . قالت : فانكفأت راجعة ورسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) في بيتي ، وإنه ليتعشى ، وفي يده عرق ، فدخلت وقالت : يا رسول الله إني خرجت لبعض حاجتي فقال عمر : كذا وكذا فأوحى إليه ثم رفع عنه وإن العرق في يده ما وضعه فقال إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن .
وعن أبي مالك قال : كان نساء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يخرجن لحاجتهن بالليل وكان ناس من المنافقين يتعرضون لهن فيؤبن فقيل ذلك للمنافقين فقالوا : إنما نفعله بالإماء فنزلت هذه الآية : { يا أيها النبي قل لأزواجك } الآية .
وعن محمد بن كعب القرظي قال : كان رجل من المنافقين يتعرض لنساء المؤمنين يؤذيهن فإذا قيل له قال كنت أحسبها أمة ، فأمرهن الله أن يخالفن زي الإماء ويدنين عليهن من جلابيبهن ، تخمر وجهها إلا إحدى عينيها ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ، يقول ذلك أحرى أن يعرفن .
وعن ابن عباس في هذه الآية قال : أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ، ويبدين عينا واحدة ، وعن أم سلمة قالت : لما نزلت هذه الآية يدنين عليهن من جلابيبهن خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من السكينة ، وعليهن أكسية سود يلبسنها هكذا في الرواية بلفظ : من السكينة ، وليس لها معنى فإن المراد تشبيه الأكسية السود الغربان لا أن المراد وصفهن بالسكينة كما يقال : كأن على رؤوسهن الطير .
وعن عائشة قالت : رحم الله نساء الأنصار لما نزلت { يا أيها النبي قل لأزواجك } الآية شققن مروطهن فاعتجرن بها فصلين خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن على رؤوسهن الغربان .
وعن ابن عباس في الآية قال : كانت الحرة تلبس لباس الأمة فأمر الله نساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن وإدناء الجلباب أن تقنع وتشده على جبينها .
قال أنس : مرت بعمر بن الخطاب جارية متنقبة فعلاها بالدرة وقال يا لكاع تتشبهين بالحرائر ألقي القناع ، قلت : ولكاع كلمة تقال لمن يستحقر به مثل العبد ، والأمة ، والخامل ، والقليل العقل ، مثل قولك : يا خسيس ، وذلك أن النساء في أول الإسلام على هاجراتهن في الجاهلية متبذلات ، تبرز المرأة في درع وخمار لا فصل بين الحرة والأمة .
وكان الفتيان يتعرضون إذا خرجن بالليل لقضاء حوائجهن في النخيل والغيمان – للإماء ، وربما تعرضوا للحرة لحسبان الأمة فأمرن أن يخالفن بزيهن عن زي الإماء بلبس الملاحف وستر الرؤوس والوجوه ، فلا يطمع فيهن طامع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.