الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّأَزۡوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ يُدۡنِينَ عَلَيۡهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَن يُعۡرَفۡنَ فَلَا يُؤۡذَيۡنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (59)

أخرج ابن سعد والبخاري ومسلم وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن عائشة رضي الله عنها قالت : « خرجت سودة رضي الله عنها بعد ما ضرب الحجاب لحاجتها ، وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها ، فرآها عمر رضي الله عنه فقال : يا سودة إنك والله ما تخفين علينا ، فانظري كيف تخرجين ، فانكفأت راجعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي ، وإنه ليتعشى ، وفي يده عِرْقٌ فدخلت وقالت : يا رسول الله إني خرجت لبعض حاجتي فقال لي عمر رضي الله عنه : كذا . . كذا . . فأوحي إليه ثم رفع عنه وان العِرْقَ في يده فقال : إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن » .

وأخرج سعيد بن منصور وابن سعد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي مالك قال : كان نساء النبي صلى الله عليه وسلم يخرجن بالليل لحاجتهن ، وكان ناس من المنافقين يتعرضون لهن فيؤذين ، فقيل ذلك للمنافقين فقالوا : إنما نفعله بالإِماء . فنزلت هذه الآية { يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين } فأمر بذلك حتى عرفوا من الأماء .

وأخرج ابن جرير عن أبي صالح رضي الله عنه قال : قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة على غير منزل ، فكان نساء النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن إذا كان الليل خرجن يقضين حوائجهن ، وكان رجال يجلسون على الطريق للغزل ، فأنزل الله { يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك . . . } . يعني بالجلباب حتى تعرف الأمة من الحرة .

وأخرج ابن سعد عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه قال : كان رجل من المنافقين يتعرض لنساء المؤمنين يؤذيهن ، فإذا قيل له قال : كنت أحسبها أمة ، فأمرهن الله تعالى أن يخالفن زي الأماء ، ويدنين عليهن من جلابيبهن ، تخمر وجهها إلا إحدى عينيها { ذلك أدنى أن يعرفن } يقول : ذلك أحرى أن يعرفن .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية قال : أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ، ويبدين عيناً واحدة .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبو داود وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : لما نزلت هذه الآية { يدنين عليهن من جلابيبهن } خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان ، من أكسية سود يلبسنها .

وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي قلابة رضي الله عنه قال : كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يدع في خلافته أمة تقنع ويقول : إنما القناع للحرائر لكيلا يؤذين .

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن أنس رضي الله عنه قال : رأى عمر رضي الله عنه جارية مقنعة ، فضربها بدرته وقال : القي القناع لا تشبهين بالحرائر .

وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت : رحم الله نساء الأنصار ، لما نزلت { يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين . . . } . شققن مروطهن . فاعتجرن بها ، فصلين خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كأنما على رؤوسهن الغربان .

وأخرج عبد بن حميد عن ابن شهاب رضي الله عنه أنه قيل له : الأمة تزوج فتخمر قال { يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن } فنهى الله الإماء أن يتشبهن بالحرائر .

وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن سيرين رضي الله عنه قال : سألت عبيدة رضي الله عنه عن هذه الآية { يدنين عليهن من جلابيبهن } فرفع ملحفة كانت عليه فقنع بها ، وغطى رأسه كله حتى بلغ الحاجبين ، وغطى وجهه ، وأخرج عينه اليسرى من شق وجهه الأيسر مما يلي العين .

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن } قال : أخذ الله عليهن إذا خرجن أن يعدنها على الحواجب { ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين } قال : قد كانت المملوكة يتناولونها ، فنهى الله الحرائر أن يتشبهن بالإماء .

وأخرج عبد بن حميد عن الكلبي في الآية قال : كن النساء يخرجن إلى الجبابين لقضاء حوائجهن ، فكان الفساق يتعرضون لهن ، فيؤذونهن فأمرهن الله أن يدنين عليهن من جلابيبهن ، حتى تعلم الحرة من الأمة .

وأخرج عبد بن حميد عن معاوية بن قرة أن ذعارا من ذعار أهل المدينة كانوا يخرجون بالليل ، فينظرون النساء ويغمزونهن ، وكانوا لا يفعلون ذلك بالحرائر إنما يفعلون ذلك بالإِماء ، فأنزل الله هذه الآية { يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين } إلى آخر الآية .

وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال : كانت الحرة تلبس لباس الأمة ، فأمر الله نساء المؤمنين أن يدنين عليهم من جلابيبهن ، وأدنى الجلباب : أن تقنع ، وتشده على جبينها .

وأخرج ابن سعد عن الحسن رضي الله عنه في قوله { يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يُعْرَفْنَ فلا يُؤْذَيْنَ } قال : أماؤكن بالمدينة يتعرض لهن السفهاء فيؤذين ، فكانت الحرة تخرج ، فيحسب أنها أمة فتؤذى ، فأمرهن الله أن يدنين عليهن من جلابيبهن .

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في الآية قال : كان أناس من فساق أهل المدينة بالليل حين يختلط الظلام ، يأتون إلى طرق المدينة فيتعرضون للنساء ، وكانت مساكن أهل المدينة ضيقة ، فإذا كان الليل خرج النساء إلى الطرق ، فيقضين حاجتهن ، فكان أولئك الفساق يتبعون ذلك منهن ، فإذا رأوا امرأة عليها جلباب قالوا : هذه حرة فكفوا عنها ، وإذا رأوا المرأة ليس عليها جلباب قالوا : هذه أمة فوثبوا عليها .

وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله { يدنين عليهن من جلابيبهن } قال : يسدلن عليهن من جلابيبهن . وهو القناع فوق الخمار ، ولا يحل لمسلمة أن يراها غريب إلا أن يكون عليها القناع فوق الخمار وقد شدت به رأسها ونحرها .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه في الآية قال : تدني الجلباب حتى لا يرى ثغرة نحرها .

وأخرج ابن المنذر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في قوله { يدنين عليهن من جلابيبهن } قال : هو الرداء .

وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { يدنين عليهن من جلابيبهن } قال : يتجلببن بها فيعلمن أنهن حرائر ، فلا يعرض لهن فاسق بأذى من قول ولا ريبه .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن سيرين رضي الله عنه قال : سألت عبيداً السلماني رضي الله عنه عن قول الله { يدنين عليهن من جلابيبهن } فتقنع بملحفة ، فغطى رأسه ووجهه ، وأخرج إحدى عينيه .