معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞وَيَسۡتَنۢبِـُٔونَكَ أَحَقٌّ هُوَۖ قُلۡ إِي وَرَبِّيٓ إِنَّهُۥ لَحَقّٞۖ وَمَآ أَنتُم بِمُعۡجِزِينَ} (53)

قوله تعالى : { ويستنبئونك } ، أي : يستخبرونك يا محمد ، { أحق هو } ، أي ما تعدنا من العذاب وقيام الساعة ، { قل إي وربي } ، أي : نعم وربي ، { إنه لحق } ، لا شك فيه ، { وما أنتم بمعجزين } ، أي : بفائتين من العذاب ، لأن من عجز عن شيء فقد فاته .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞وَيَسۡتَنۢبِـُٔونَكَ أَحَقٌّ هُوَۖ قُلۡ إِي وَرَبِّيٓ إِنَّهُۥ لَحَقّٞۖ وَمَآ أَنتُم بِمُعۡجِزِينَ} (53)

وقوله { ويسألونك } معناه : يستخبرونك ، وهي على هذا تتعدى إلى مفعولين : أحدهما الكاف ، والآخر في الابتداء والخبر ، وقيل هي بمعنى يستعلمونك ، فهي على هذا تحتاج إلى مفعولين ثلاثة : أحدها الكاف ، والابتداء والخبر يسد مسد المفعولين{[6136]} ، و { أحق هو } قيل الإشارة إلى الشرع والقرآن ، وقيل : إلى الوعيد وهو الأظهر ، وقرأ الأعمش «الحق هو » بمدة وبلام التعريف{[6137]} ، وقوله { إي } ، هي لفظة تتقدم القسم وهي بمعنى «نعم » ويجيء بعدها حرف القسم وقد لا يجيء ، تقول : { إي وربي } وإي ربي { معجزين } معناه مفلتين ، وهذا الفعل أصله تعدية عجز لكن كثر فيه حذف المفعول حتى قالت العرب : أعجز فلان ، إذا ذهب في الأرض فلم يقدر عليه .


[6136]:- الأصل أن (استنبأ) يتعدى إلى مفعولين أحدهما بعن تقول: استنبأت زيدا عن عمرو، والظاهر أنها معلّقة عن المفعول الثاني، ولا يلزم من كونها بمعنى (يستعملونك) أنها تتعدى إلى ثلاثة مفاعيل لأن (استعلم) لا يتعدى هو إلى ثلاثة مفاعيل فأولى بذلك ما كان بمعناه.
[6137]:- قال أبو الفتح تعليقا على هذه القراءة: "إن الأجناس تتساوى فائدتها معرفتها ونكرتها في نحو هذا، تقول: ثق بأمان من الله، وثق بالأمان من الله، وهذا حق، وهذا الحق، وهذا صدق، وهذا الصدق، ومنه قولهم: خرجت فإذا بالباب أسد، وإذا بالباب الأسد، المعنى واحد ووضع اللفظ مختلف، وسبب ذلك كون الموضع جنسا". (المحتسب2/ 313).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞وَيَسۡتَنۢبِـُٔونَكَ أَحَقٌّ هُوَۖ قُلۡ إِي وَرَبِّيٓ إِنَّهُۥ لَحَقّٞۖ وَمَآ أَنتُم بِمُعۡجِزِينَ} (53)

هذا حكاية فن من أفانين تكذيبهم ، فمرة يتظاهرون باستبطاء الوعد استخفافاً به ، ومرة يُقبلون على الرسول في صورة المستفهم الطالب فيسألونه : أهذا العذاب الخالد ، أي عذاب الآخرة ، حق .

فالجملة معطوفة على جملة { ويقولون متى هذا الوعد } [ يونس : 48 ] ، وضمير الجمع عائد إليهم فهم المستنبئون لا غيرهم ، وضمير ( هو ) عائد إلى { عذاب الخلد } [ يونس : 52 ] .

والحق : الثابت الواقع ، فهو بمعنى حاقّ ، أي ثابت ، أي أن وقوعه ثابت ، فأسند الثبوت لذات العذاب بتقدير مضاف يدل عليه السياق إذ لا توصف الذات بثبوت .

وجملة : { أحق هو } استفهامية معلقة فعل { يستنبئونك } عن العمل في المفعول الثاني ، والجملة بيان لجملة { يستنبئونك } لأن مضمونها هو الاستثناء .

والضمير يجوز كونه مبتدأ ، و { أحقّ } خبر مقدم .

واستعملوا الاستفهام تَبالُها ، ولذلك اشتمل الجواب المأمور به على مراعاة الحالتين فاعتبر أولاً ظاهر حال سؤالهم فأجيبوا على طريقة الأسلوب الحكيم بحمل كلامهم على خلاف مرادهم تنبيهاً على أن الأولى بهم سؤال الاسترشاد تغليطاً لهم واغتناماً لفرصة الإرشاد بناء على ظاهر حال سؤالهم ، ولذلك أكد الجواب بالتوكيد اللفظي إذْ جمع بين حرف { إي } وهو حرف جواب يحقق به المسؤول عنه ، وبين الجملة الدالة على ما دل عليه حرف الجواب ، وبالقسم ، وإنّ ، ولام الابتداء ، وكلها مؤكدات .

والاعتبار الثاني اعتبار قصدهم من استفهامهم فأجيبوا بقوله : { وما أنتم بمعجزين } . فجملة : { وما أنتم بمعجزين } معطوفة على جملة جواب القسم فمضمونها من المقْسم عليه . ولما كان المقسم عليه جواباً عن استفهامهم كان مضمون { ما أنتم بمعجزين } جواباً عن الاستفهام أيضاً باعتبار ما أضمروه من التكذيب ، أي هو واقع وأنتم مصابون به غير مفلتين منه . وليس فعل { يستنبئونك } مستعملاً في الظاهر بمعنى الفعل كما استعمل قوله : { يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة } [ التوبة : 64 ] ، كما تقدم في براءة لأن حقيقة الاستنباء واقعة هنا إذ قد صرحوا بصورة الاستفهام .

و { إي } بكسر الهمزة : حرف جواب لتحْقيق ما تضمنه سؤال سائل ، فهو مرادف ( نَعم ) ، ولكن من خصائص هذا الحرف أنه لا يقع إلا وبعده القسم .

والمعجزون : الغالبون ، أي وما أنتم بغالبين الذي طلبكم ، أي بمفلتين . وقد تقدم عند قوله تعالى : { إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين } في سورة [ الأنعام : 134 ] .