فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{۞وَيَسۡتَنۢبِـُٔونَكَ أَحَقٌّ هُوَۖ قُلۡ إِي وَرَبِّيٓ إِنَّهُۥ لَحَقّٞۖ وَمَآ أَنتُم بِمُعۡجِزِينَ} (53)

ثم حكى الله سبحانه عنهم بعد هذه البيانات البالغة ، والجوابات عن أقوالهم الباطلة : أنهم استفهموا تارة أخرى عن تحقق العذاب ، فقال : { وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ } أي : يستخبرونك عن جهة الاستهزاء منهم والإنكار ، أحق ما تعدنا به من العذاب في العاجل والآجل ، وهذا السؤال منهم جهل محض . وظلمات بعضها فوق بعض ، فقد تقدّم ذكره عنهم مع الجواب عليه ، فصنيعهم في هذا التكرير صنيع من لا يعقل ما يقول ، ولا يقال له ؛ وقيل : المراد بهذا الاستخبار منهم هو : عن حقية القرآن ، وارتفاع حق على أنه خبر مقدّم . والمبتدأ هو الضمير الذي بعده ، وتقديم الخبر للاهتمام ، أو هو مبتدأ ، والضمير مرتفع به سادّ مسدّ الخبر ، والجملة في موضع نصب بيستنبئونك ، وقرئ «آلحق هو » على أن اللام للجنس ، فكأنه قيل : أهو الحق لا الباطل .

قوله : { قُلْ إِي وَرَبّي إِنَّهُ لَحَق } أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم هذه المقالة جواباً عن استفهامهم الخارج مخرج الاستهزاء ، أي قل لهم يا محمد غير ملتفت إلى ما هو مقصودهم من الاستهزاء : { إي وربي إنه لحق } ، أي نعم ، وربي إن ما أعدّكم به من العذاب لحق ثابت كائن لا محالة .

وفي هذا الجواب تأكيد من وجوه : الأوّل : القسم مع دخول الحرف الخاص بالقسم الواقع موقع نعم . الثاني : دخول إن المؤكدة ؛ الثالث : اللام في لحق ؛ الرابع : إسمية الجملة ، وذلك يدلّ على أنهم قد بلغوا في الإنكار والتمرّد إلى الغاية التي ليست وراءها غاية ، ثم توعدهم بأشدّ توعد ، ورهبهم بأعظم ترهيب ، فقال : { وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ } أي : فائتين العذاب بالهرب والتحيل الذي لا ينفع ، والمكابرة التي لا تدفع من قضاء الله شيئاً ، وهذه الجملة إما معطوفة على جملة جواب القسم ، أو مستأنفة لبيان عدم خلوصهم من عذاب الله بوجه من الوجوه .

/خ58