محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{۞وَيَسۡتَنۢبِـُٔونَكَ أَحَقٌّ هُوَۖ قُلۡ إِي وَرَبِّيٓ إِنَّهُۥ لَحَقّٞۖ وَمَآ أَنتُم بِمُعۡجِزِينَ} (53)

[ 53 ] { * ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين 53 } .

{ ويستنبئونك } أي يستخبرونك { أحق هو } أي الوعد بعذاب الخلد ، أو ادعاء النبوة أو القرآن { قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين } أي بفائتين العذاب . فهو لاحق بكم لا محالة . من ( أعجزه ) الشيء إذا فاته . ويصح كونه من { أعجزه } بمعنى وجده عاجزا . أي : ما أنتم بواجدي العذاب أو من يوقعه بكم عاجزا عن إدراككم وإيقاعه بكم .

لطائف :

الأولى - دل سؤالهم هذا على محض جهلهم أو عنادهم ، لما ثبت من البرهان القاطع على نبوته بمعجز القرآن ، وإذا صحت النبوة لزم القطع بصحة كل ما ينبؤهم عنه ، مما يصدعهم به .

الثانية - إنما أمر بالقسم لاستمالتهم ، وللجري على ما هو المألوف في المحاورة ، من تحقيق المدعى ، فإن من أقسم على خير ، فقد كساه حلة الجد ، وخلع عنه لباس الهزل{[4742]} { إنه لقول فصل * وما هو بالهزل } .

/ الثالثة - لما كانت الناس طبقات ، كان منهم من لا يسلم إلا ببرهان حقيقي ، ومنهم من لا ينتفع به ، ويسلم إلا بالأمور الإقناعية ، نحو القسم ، كالأعرابي{[4743]} الذي قدم النبي صلى الله عليه وسلم ، وسأله عن رسالته وبعثه ، وأنشده بالذي بعثه ، ثم اقتنع بقوله صلوات الله عليه : " اللهم نعم ، فقال : آمنت بما جئت به وأنا رسول من ورائي من قومي ، وأنا ضمام بن ثعلبة " رواه البخاري في أوائل كتاب العلم .

الرابعة - قال ابن كثير : هذه الآية ليس لها نظير في القرآن إلا آيتان أخريان ، يأمر الله تعالى رسوله أن يقسم به على من أنكر المعاد في سورة سبأ{[4744]} : { وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينّكم } وفي التغابن{[4745]} : { زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبّؤنّ بما عملتم وذلك على الله يسير } انتهى .

وقد استمد ابن كثير هذا مما ذكره شيخه الإمام ابن القيم في ( زاد المعاد ) قال : وحلف صلى الله عليه وسلم في أكثر من ثمانين موضعا ، وأمره الله سبحانه بالحلف في ثلاثة مواضع ، ثم ذكر هذه الآيات ، ثم قال : وكان إسماعيل بن إسحاق القاضي يذاكر أبا بكر بن داود الظاهريّ ولا يسميه بالفقيه فتحاكم إليه يوما وهو خصم له فتوجهت اليمين على أبي بكر بن داود ، فتهيأ للحلف ، فقال له القاضي إسماعيل : وتحلف ، ومثلك يحلف ، يا أبا بكر ؟ فقال : وما يمنعني عن الحلف ، وقد أمر الله تعالى نبيه بالحلف في ثلاثة مواضع من كتابه ؟ قال : أين ذلك ؟ فسردها أبو بكر ، فاستحسن ذلك منه جدا ، ودعاه بالفقيه من ذلك اليوم . انتهى .


[4742]:[86 / الطارق / 13 و 14].
[4743]:إنه لحديث جليل وطويل فانظره في صحيح البخاري في: 3- كتاب العلم، 6- باب ما جاء في العلم وقوله تعالى: {وقل رب زدني علما} حديث رقم 55.
[4744]:[34 / سبأ / 3].
[4745]:[64 / التغابن / 7].