البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{۞وَيَسۡتَنۢبِـُٔونَكَ أَحَقٌّ هُوَۖ قُلۡ إِي وَرَبِّيٓ إِنَّهُۥ لَحَقّٞۖ وَمَآ أَنتُم بِمُعۡجِزِينَ} (53)

أي يستخبرونك .

وأحق هو الضمير عائد على العذاب .

وقيل : على الشرع والقرآن .

وقيل : على الوعيد ، وقيل : على أمر الساعة ، والجملة في موضع نصب فقال الزمخشري : بيقولون أحق هو فجعل يستنبئونك تتعدى إلى واحد .

وقال ابن عطية : معناه يستخبرونك ، وهي على هذا تتعدّى إلى مفعولين : أحدهما الكاف ، والآخر في الابتداء ، والخبر فعلى ما قال : يكون يستنبئونك معلقة .

وأصل استنبأ أن يتعدّى إلى مفعولين : أحدهما بعن ، تقول : استنبأت زيداً عن عمرو أي طلبت منه أن ينبئني عن عمرو ، والظاهر أنها معلقة عن المفعول الثاني .

قال ابن عطية : وقيل هي بمعنى يستعلمونك .

قال : فهي على هذا تحتاج إلى مفاعيل ثلاثة : أحدها الكاف ، والابتداء ، والخبر سد مسد المفعولين انتهى .

وليس كما ذكر ، لأنّ استعلم لا يحفظ كونها متعدية إلى مفاعيل ثلاثة ، لا يحفظ استعلمت زيداً عمراً قائماً فتكون جملة الاستفهام سدت مسد المفعولين ، ولا يلزم من كونها بمعنى يستعلمونك أنْ تتعدى إلى ثلاثة ، لأنّ استعلم لا يتعدّى إلى ثلاثة كما ذكرنا .

وارتفع هو على أنه مبتدأ ، وحق خبره .

وأجاز الحوفي وأبو البقاء أن يكون حق مبتدأ وهو فاعل به سد مسد الخبر ، وحق ليس اسم فاعل ولا مفعول ، وإنما هو مصدر في الأصل ، ولا يبعد أن يرفع لأنه بمعنى ثابت .

وهذا الاستفهام منهم على جهة الاستهزاء والإنكار .

وقرأ الأعمش : الحق .

قال الزمخشري : وهو أدخل في الاستهزاء لتضمنه معنى التعريض بأنه باطل ، وذلك أن اللام للجنس ، فكأنه قيل : أهو الحق لا الباطل ، أو أهو الذي سميتموه الحق ؟ انتهى .

وأمر تعالى نبيه أن يقول مجيباً لهم : قل إي وربي ، أي نعم وربي .

وإي تستعمل في القسم خاصة ، كما تستعمل هل بمعنى قد فيه خاصة .

قال معناه الزمخشري قال : وسمعتهم يقولون في التصديق أي و ، فيصلونه بواو القسم ولا ينطقون به وحده انتهى .

ولا حجة فيما سمعه الزمخشري من ذلك لعدم الحجية في كلامه لفساد كلام العرب إذ ذاك وقبله بأزمان كثيرة .

وقال ابن عطية : هي لفظة تتقدّم القسم ، وهي بمعنى نعم ، ويجيء بعدها حرف القسم وقد لا يجيء ، تقول : أي ربي أي وربي انتهى .

وقد كان يكتفي في الجواب بقوله : إي وربي ، إلا أنه أوكد بإظهار الجملة التي كانت تضمر بعد قوله : إي وربي ، مسوقة مؤكدة بأنّ .

واللام مبالغة في التوكيد في الجواب ، ولما تضمن قولهم أحق هو السؤال عن العذاب ، وكان سؤالاً عن العذاب اللاحق بهم لا عن مطلق عذاب يقع بمن يقع .

قيل : وما أنتم بمعجزين أي فائتين العذاب المسؤول عنه ، بل هو لاحق بكم .

واحتملت هذه الجملة أن تكون داخلة في جواب القسم ، فتكون معطوفة على الجواب قبلها .

واحتمل أن تكون إخباراً ، معطوفاً على الجملة المقولة لا على جواب القسم .

وأعجز الهمزة فيه للتعدية كما قال : ولن نعجزه هرباً ، لكنه كثر فيه حذف المفعول حتى قالت العرب : أعجز فلان إذا ذهب في الأرض فلم يقدر عليه ، وقال الزجاج : أي ما أنتم ممن يعجز من يعذبكم .