معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{۞وَإِلَىٰ مَدۡيَنَ أَخَاهُمۡ شُعَيۡبٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ وَلَا تَنقُصُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَۖ إِنِّيٓ أَرَىٰكُم بِخَيۡرٖ وَإِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٖ مُّحِيطٖ} (84)

قوله تعالى : { وإلى مدين } ، أي : وأرسلنا إلى ولد مدين ، { أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان } ، أي : لا تبخسوا ، وهم كانوا يطفقون مع شركهم ، { إني أراكم بخير } ، قال ابن عباس : موسرين في نعمة . وقال مجاهد : في خصب وسعة ، فحذرهم زوال النعمة ، وغلاء السعر ، وحلول النقمة ، إن لم يتوبوا . فقال : { وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط } ، يحيط بكم فيهلككم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞وَإِلَىٰ مَدۡيَنَ أَخَاهُمۡ شُعَيۡبٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ وَلَا تَنقُصُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَۖ إِنِّيٓ أَرَىٰكُم بِخَيۡرٖ وَإِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٖ مُّحِيطٖ} (84)

التقدير : { وإلى مدين } أرسلنا { أخاهم شعيباً } ، واختلف في لفظة { مدين } فقيل : هي بقعة ، فالتقدير على هذا : وإلى أهل مدين - كما قال : { واسأل القرية }{[6466]} - وقيل كان هذا القطر في ناحية الشام ، وقيل { مدين } اسم رجل كانت القبيلة من ولده فسميت باسمه ، و { مدين } لا ينصرف في الوجهين ، حكى النقاش أن { مدين } هو ولد إبراهيم الخليل لصلبه .

قال القاضي أبو محمد : وهذا بعيد وقد قيل : إن { شعيباً } عربي ، فكيف يجتمع هذا وليس للعرب اتصال بإبراهيم إلا من جهة إسماعيل فقط ، ودعاء «شعيب » إلى «عبادة الله » يقتضي أنهم كانوا يعبدون الأوثان ، وذلك بين من قولهم فيما بعد ، وكفرهم هو الذي استوجبوا به العذاب لا معاصيهم ، فإن الله لم يعذب قط أمة إلا بالكفر ، فإن انضافت إلى ذلك معصية كانت تابعة ، وأعني بالعذاب عذاب الاستئصال العام ، وكانت معصية هذه الأمة الشنيعة أنهم كانوا تواطأوا أن يأخذوا ممن يرد عليهم من غيرهم وافياً ويعطوا ناقصاً في وزنهم وكيلهم ، فنهاهم شعيب بوحي الله تعالى عن ذلك ، ويظهر من كتاب الزجاج أنهم كانوا تراضوا بينهم بأن يبخس بعضهم بعضاً .

وقوله { بخير } قال ابن عباس : معناه في رخص من الأسعار ، و { عذاب اليوم المحيط } هو حلول الغلاء المهلك . وينظر هذا التأويل إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم : «ما نقص قوم المكيال والميزان إلا ارتفع عنهم الرزق »{[6467]} وقيل لهم قوله : { بخير } عام في جميع نعم الله تعالى ، و { عذاب اليوم } هو الهلاك الذي حل بهم في آخر ، وجميع ما قيل في لفظ «خير » منحصر فيما قلناه .

ووصف «اليوم » ب «الإحاطة » وهي من صفة العذاب على جهة التجوز إذ كان العذاب في اليوم : وقد يصح أن يوصف «اليوم » ب «الإحاطة » على تقدير : محيط شره . ونحو هذا .


[6466]:- من الآية (82) من سورة (يوسف).
[6467]:- رواه في الموطأ، ولفظه فيه: (ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا قُطع عنهم الرزق).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞وَإِلَىٰ مَدۡيَنَ أَخَاهُمۡ شُعَيۡبٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ وَلَا تَنقُصُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَۖ إِنِّيٓ أَرَىٰكُم بِخَيۡرٖ وَإِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٖ مُّحِيطٖ} (84)

قوله : { وإلى مدين أخاهم شعيباً } إلى قوله { من إله غيره } نظير قوله : { وإلى ثمود أخاهم صالحاً } [ هود : 61 ] الخ .

أمرهم بثلاثة أمور :

أحدها : إصلاح الاعتقاد ، وهو من إصلاح العقول والفكر .

وثالثها : صلاح الأعمال والتصرفات في العالم بأن لا يفسدوا في الأرض .

ووسط بينهما الثاني : وهو شيء من صلاح العمل خص بالنهي لأنّ إقدامهم عليه كان فاشياً فيهم حتّى نسوا ما فيه من قبح وفساد ، وهذا هو الكف عن نقص المكيال والميزان .

فابتدأ بالأمر بالتوحيد لأنه أصل الصلاح ثم أعقبه بالنهي عن مظلمة كانت متفشية فيهم ، وهي خيانة المكيال والميزان . وقد تقدّم ذلك في سورة الأعراف . وهي مفسدة عظيمة لأنها تجمع خصلتي السرقة والغدْر ، لأن المكتال مسترسل مستسلم . ونهاهم عن الإفساد في الأرض وعن نقص المكيَال والميزان فعزّزه بالأمر بضده وهو إيفاؤهما .

وجملة { إني أراكم بخير } تعليل للنهي عن نقص المكيال والميزان . والمقصود من { إني أراكم بخير } أنكم بخير . وإنما ذكر رؤيته ذلك لأنها في معنى الشهادة عليهم بنعمة الله عليهم فحقّ عليهم شكرها . والباء في { بخير } للملابسة .

والخير : حسن الحالة . ويطلق على المال كقوله : { إن ترك خيراً } [ البقرة : 180 ] . والأوْلى حمله عليه هنا ليكون أدخل في تعليل النهي ، أي أنكم في غنى عن هذا التطفيف بما أوتيتم من النعمة والثروة . وهذا التعليل يقتضي قبْح ما يرتكبونه من التطفيف في نظر أهل المروءة ويقطع منهم العذر في ارتكابه . وهذا حثّ على وسيلة بقاء النعمة .

ثم ارتقى في تعليل النهي بأنه يخاف عليهم عذاباً يحل بهم إمّا يوم القيامة وإما في الدنيا . ولصلوحيته للأمرين أجمله بقوله : { عذاب يوم محيط } . وهذا تحذير من عواقب كفران النعمة وعصيان وَاهِبِهَا .

و { محيط } وصف ل { يوم } على وجه المجاز العقلي ، أي محيط عذابه ، والقرينة هي إضافة العذاب إليه .