فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{۞وَإِلَىٰ مَدۡيَنَ أَخَاهُمۡ شُعَيۡبٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ وَلَا تَنقُصُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَۖ إِنِّيٓ أَرَىٰكُم بِخَيۡرٖ وَإِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٖ مُّحِيطٖ} (84)

أي وأرسلنا إلى مدين ، وهم قوم شعيب ، أخاهم في النسب شعيباً . وسموا مدين باسم أبيهم ، وهو مدين ابن إبراهيم . وقيل : باسم مدينتهم . قال النحاس : لا ينصرف مدين لأنه اسم مدينة ، وقد تقدّم الكلام على هذا في الأعراف بأبسط مما هنا ، وقد تقدّم تفسير : { قَالَ يَا قَوْم اعبدوا الله مَا لَكُم منْ إله غَيْرُهُ } في أوّل السورة ، وهذه الجملة مستأنفة ؛ كأنه قيل : ماذا قال لهم شعيب لما أرسله الله إليهم ؟ وقد كان شعيب عليه السلام يسمى خطيب الأنبياء لحسن مراجعته لقومه ، أمرهم أوّلاً بعبادة الله سبحانه الذي هو الإله وحده لا شريك له ، ثم نهاهم عن أن ينقصوا المكيال والميزان ، لأنهم كانوا مع كفرهم أهل تطفيف ، كانوا إذا جاءهم البائع بالطعام أخذوا بكيل زائد ، وكذلك إذا وصل إليهم الموزون أخذوا بوزن زائد ، وإذا باعوا باعوا بكيل ناقص ووزن ناقص ؛ وجملة { إِنّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ } تعليل للنهي : أي لا تنقصوا المكيال والميزان لأني أراكم بخير : أي بثروة وسعة في الرزق ، فلا تغيروا نعمة الله عليكم بمعصيته والإضرار بعباده ، ففي هذه النعمة ما يغنيكم عن أخذ أموال الناس بغير حقها ، ثم ذكر بعد هذه العلة علة أخرى ، فقال : { وَإِنّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ } فهذه العلة فيها الإذكار لهم بعذاب الآخرة كما أن العلة الأولى فيها الإذكار لهم بنعيم الدنيا ؛ ووصف اليوم بالإحاطة والمراد العذاب ، لأن العذاب واقع في اليوم ؛ ومعنى إحاطة عذاب اليوم بهم ، أنه لا يشذ منهم أحد عنه ، ولا يجدون منه ملجأ ولا مهرباً ، واليوم : هو يوم القيامة ، وقيل : هو يوم الانتقام منهم في الدنيا بالصيحة .

/خ95